نون والقلم

100 عام من الكارثة

حين نعيد قراءة التاريخ نجد أن أكبر ضحايا النازية والحرب العالمية هم الفلسطينيون وليس اليهود. فهؤلاء – اليهود – فقدوا بضعة آلاف في المحرقة (الهولوكوست) وحصلوا على «وطن قومي» وعدهم به وزير الخارجية البريطاني اللورد بلفور في عام 1917، وأولئك – الفلسطينون – فقدوا آلافاً في مجازر على يد العصابات الصهيونية، وحوالي مليون مهُجّر، والأهم فقدوا وطناً اسمه فلسطين.

 

نفذت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي «وعدها» وأقامت احتفالاً بمرور مائة عام على وعد بلفور بعد أن رفضت مطالبات فلسطينية وعربية بتقديم اعتذار عن الوعد البلفوري، بل على العكس قالت إنها تفتخر بدور بريطانيا في إقامة «دولة إسرائيل»! وأن من المهم الآن العمل على التوصل إلى حل الدولتين لإنهاء النزاع.

 

وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون كتب مقالاً عن وعد بلفور أوضح فيه سياسة حكومة ماي بأن بريطانيا ستقدم كل ما في وسعها من دعم لإكمال ما لم يكتمل من عناصر وعد بلفور، معتبراً أن الحل بالنسبة لإسرائيل، هو مولد دولة فلسطينية وهو السبيل الوحيد لتأمين مستقبلها الديمغرافي كدولة يهودية وديمقراطية. وبالنسبة للفلسطينيين، فإن قيام دولة خاصة بهم سوف يتيح لهم تحقيق تطلعاتهم بتقرير المصير وحكم أنفسهم بأنفسهم.

 

وبعد أن عبّر عن «اعتزاز» بريطانيا بإيجاد إسرائيل كاشفاً النقاب عن أنه خدم في أحد الكيبوتسات (رغم أن مهمتي اقتصرت على غسل الصحون) قال: الحل الوحيد الممكن للصراع يماثل الحل الذي كان أوَّل من صاغه بريطاني آخر، هو لورد بيل، ضمن تقرير اللجنة الملكية لفلسطين في عام 1937، والقائم على رؤية قيام دولتيْن لشعبيْن.

 

ولوعد بلفور قصة وخفايا عدة. فلأول مرة كشف اللورد جيكوب روتشيلد الرئيس الحالي للعائلة المصرفية الشهيرة، التي تعد داعماً قوياً لإسرائيل النقاب أخيراً، عن تفاصيل جديدة تتعلق بالدور المهم الذي لعبه أسلافه في الحصول على الوعد.

 

جاء ذلك وفق ما نقلته صحيفة ذا تايمز أوف إسرائيل، عن اللورد جيكوب، أثناء مقابلة تلفزيونية أجريت معه، عن الدور الذي لعبته ابنة عمه دوروثي دي روتشيلد التي كانت في ريعان الصبا في ذلك الوقت قائلاً إنها «كرست نفسها لإسرائيل وما قامت به كان في غاية الأهمية».

 

مضيفاً: «أنها ربطت الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان بالمؤسسة البريطانية، ذلك أن دوروثي هي التي أخبرت وايزمان كيف يندمج ويقحم نفسه داخل المؤسسة السياسية البريطانية، وهو الأمر الذي تعلمه بسرعة فائقة».

 

ولفت روتشيلد، الذي يبلغ 80 عاماً، إلى أن الطريقة التي صيغ بها الوعد كانت خارقة للعادة، واصفاً الوعد بأنه «قطعة خيالية من الانتهازية»، حيث تمكن وايزمان من الوصول إلى بلفور: «لقد أقنع اللورد بلفور بشكل لا يصدق.

 

وكذلك رئيس الوزراء لويد جورج ومعظم الوزراء، بضرورة تبني فكرة أن يسمح لليهود بإنشاء وطن خاص بهم»، قائلاً: «لقد بدا شيئاً بعيد المنال». وقد أجرى المقابلة مع روتشيلد، السفير الإسرائيلي السابق في لندن، دانيل تاوب، وهي جزء من مشروع يطلق عليه اسم «مئوية بلفور». وبحسب ما يقوله السفير تاوب: «لقد غيّر الوعد مسار التاريخ في الشرق الأوسط».

 

السبب الرئيس في إصدار هذا الوعد والذي كتبه رئيس الوزارة البريطانية الأسبق في مذكراته لويد جورج عن الدور الذي قام به وايزمان في خدمة بريطانيا إبان الحرب العالمية.

 

وذلك عندما ساعد بريطانيا في استخراج مادة الأسيتون التي تُستخدم في صنع الذخائر الحربية، وكانت تُستخرج من خشب الأشجار ويحتاج استخراجها كميات هائلة من الخشب وليس في إنجلترا غابات كثيرة تفي بهذه الحاجة فكانت تستورد من أميركا بأسعار مرتفعة.

 

وأخيراً اهتدى لويد وكان حينها – رئيس لجنة الذخائر – إلى أستاذ بارع في الكيمياء استطاع أن يستخرج مادة الأسيتون من عناصر أخرى غير الخشب مثل الحبوب والذرة على وجه الخصوص، وبذلك وجد حلاً لبريطانيا عن أعوص مشكلة عانتها أثناء الحرب.

 

وبخبث اليهودي رفض وايزمان كل مكافأة مقابل عمله بشرط أن تصنع بريطانيا شيئاً في سبيل الوطن القومي اليهودي. ولما تولى لويد جورج رئاسة الوزارة خاطب بلفور بأن بريطانيا تريد أن تجتذب إلى صفها اليهود في الدول المجاورة. وبعبارة أخرى فإن بريطانيا رغبت في مكافأة إسرائيل على عملها ومساعدتها لها في الحرب فكان وعد بلفور وكان الثمن «إعطاء من لا يملك شيئاً لمن لا يستحق شيئاً».

 

مائة عام مرت، في كل عام يثمر وعد بلفور برتقالاً ومدناً ومستوطنات لليهود وما يسمى «إسرائيل». ونحن نتنازل ونتراجع، ومن «الأرض مقابل السلام» إلى «السلام مقابل السلام» إلى «السلام مقابل لا أرض ولا سلام». فقط نلعن وعد بلفور. أليس الأجدى أن نطالب بريطانيا بما تعترف به وهو الشق الثاني من الوعد – دولة فلسطينية – قبل أن يسقط بالتقادم أو بالتكاسل؟!

نقلا عن صحيفة البيان

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى