لم تكن الاتهامات الموجهة لقطر بدعم الإرهاب وخلاياه متعددة الأسماء والوجوه نابعة من فراغ، لأن السياسة الخارجية والإعلامية لقطر كانت منذ سنوات مكرسةً لدعم وتمويل وتشجيع عصابات الإرهاب، واستخدامها للتدخل في شؤون الدول الأخرى، وتفتيتها لتمكين التطرف من التمدد والانتشار تحت عناوين مختلفة، والرابط بينها هو حلم جماعة «الإخوان» الإرهابية بالسيطرة على المنطقة ورد الجميل للدوحة التي ظلت الحليف الاستراتيجي لها والحاضن الأول بالتعاون والتنسيق مع تركيا.
كانت السياسة الإعلامية لقطر ترصد أخبار سقوط الأراضي العراقية والسورية بيد تنظيم « داعش »، بالتوازي مع استخدام الدوحة للحقيبة الدبلوماسية لنقل الأموال والتعليمات إلى جماعات القتل والعنف والجبهات المستنسخة التي تصب كلها في خدمة التطرف، وفي بعض الوقائع كما نتذكر كانت قطر تبرر إيصال الدعم المالي لخلايا الموت المجاني بذريعة دفع الفدية لإطلاق مختطفين، وسوف يكشف لنا المستقبل حقائق صادمة عن المسرحيات القطرية التي كان الممثلون فيها يستخدمون ضحايا من لحم ودم في سبيل الوصول إلى غاياتهم الإجرامية متمثلة في تخريب الدول، وتهيئة الظروف لصعود دعاة الخلافة من أصحاب الرايات السوداء والقلوب المظلمة.
ومن خلال رصد التداعيات الميدانية المتلاحقة مؤخراً في المناطق التي كانت تسيطر عليها عصابات «داعش»، التي اعتاد أتباعها على الاعتقاد بأنهم يشكلون نواة دولة الخلافة المزعومة، من الواضح أن هناك تراجعاً لإرهاب هذا التيار بعد خسائره المتزايدة، وفقدانه للنفوذ والسيطرة على الأرض. وفي تحليلات عديدة لمختصين أرجعوا السبب الرئيس للانهيارات المتتالية لـ«داعش» إلى النتائج الإيجابية لمقاطعة قطر، وما ترتب عليها من انشغال الدوحة بمحاولات استعطاف المجتمع الدولي للخروج من الأزمة.
بمعنى أن انشغال الدوحة بملف أزمتها أدى بكل تأكيد إلى انحسار «داعش» وفقدانها لعاصمتها الرقة وغيرها من المناطق الحيوية في سوريا وقبلها في العراق، وبذلك أتت المقاطعة الرباعية لقطر ثمارها، ودفعت الدوحةَ إلى التركيز على الانشغال أكثر بأزمة المقاطعة بدلاً من دعمها للإرهاب، وبالتالي على المجتمع الدولي الذي كان يتخوف من تأثير الوقفة الخليجية ضد قطر على الحرب ضد الإرهاب أن يراجع مسلسل انهيار «داعش» بعد أن تمت مواجهة قطر بحقيقتها، فقد أصبح السقوط المستمر لتنظيمات الإرهاب دليلاً على أن انقطاع الدعم القطري عن «داعش» وأخواتها وذيولها كشف المستور وحقق نتائج باهرة على صعيد الحرب الدولية ضد الإرهاب في المنطقة العربية، ومن الدلائل الدامغة على انهيار مشروع تنظيم الحمدين وعلى الخسارة المزدوجة لكل من «داعش» وقطر، أن تنظيم داعش لجأ في ذروة الأزمة مع قطر إلى إصدار بيان مفضوح بعنوان «بيان نصرة إخواننا المسلمين في قطر»، أكد فيه تضامنه مع دولة قطر ضد ما وصفه بـ«المحنة من دول الكفر»!
ذلك البيان الداعشي الذي صدر عما يعرف بـ«ولاية خراسان» تسبب في تعميق فضيحة قطر وتعميد علاقتها المباشرة مع «داعش»، وكشف للعالم أجمع عن الارتباط العاطفي والتنظيمي بين قطر وأعتى الجماعات الإرهابية المتطرفة. وكانت أدلة متراكمة قد تجمعت ضد الدوحة بشأن جمعها تبرعات مالية لشراء أسلحة للإرهابيين وتأمين تنقلاتهم ورواتبهم.
وفي تأكيد عالمي على حقيقة الترابط العضوي بين «داعش» وقطر وعلاقة انهيارات التنظيم الأخيرة بتوقف الدعم القطري، تابعنا ما جاء على لسان المستشار السابق للشؤون الاستراتيجية الأميركية ستيفن بانون، الذي دعا في تصريح جديد له إلى محاسبة قطر على تمويلها للإرهاب، وأشاد بفاعلية الإجراءات التي تم اتخاذها ضد قطر، والغرض منها، بقوله: «وضع الإماراتيون والمصريون والسعوديون خطة مدروسة جداً.. إذن تم قطع التمويل.. يمكنك الحصول على فرصة جديّة للقضاء على مصادر تمويل الجماعات الإرهابية مثل تنظيمي (داعش) و(القاعدة)».
تحتاج الدوحة الآن كما في بداية الأزمة إلى الاعتراف بأخطائها، ومحاولة إصلاح مسار سياساتها للحفاظ على ماء الوجه، وعليها كذلك أن تعي جيداً الدرس المستفاد من تجاهل المجتمع الدولي لصراخها وبكائياتها الزائفة حين تصور المقاطعة المشروعة ضدها على أنها «حصار»، كما أن الثقل الذي تتمتع به الدول الأربع التي اتخذت قرار المقاطعة لحماية أراضيها من العبث القطري، أسهم في التفهم الدولي لهذه الخطوة، ثم جاءت الانتصارات الأخيرة ضد «داعش» لترفع الغطاء نهائياً عن قطر وتعزز موقف الدول الأربع.