قلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على سوريا، إنه يخشى أن تؤدي مناطق خفض التصعيد إلى التقسيم، ويتمنى أن يتم تجنب ذلك.
رسالة لا نعرف إلى من أراد أن يوصلها بوتين، ربما هي بلا عنوان، وبلا قصد، وقيلت فقط لإضفاء صورة جديدة على المواقف الروسية التي تتلون وتتشكل حسب الأوقات والأماكن والمناسبات، وأيضاً المصالح التي تأتي في مقدمة الاهتمامات، فهذه المناطق التي سميت بذلك الاسم كانت اختراعاً روسياً، لم يطرحها أحد من قبل، ولم يفكر فيها أي طرف من أطراف النزاع السوري، ولم يُستشر فيها نظام بشار الأسد، فقط روسيا هي التي تبنت «خفض التصعيد» وفي أماكن ومناطق كانت الحرب الأهلية قد أفرزتها بمساعدة من الجيش الروسي وطيرانه وحشود إيران المذهبية، وعقد من أجلها مؤتمر بدعوة من روسيا، وبوتين هو رئيس روسيا، وحضره اثنان فقط، جانبان من الطامعين في «الكعكة» السورية، هما إيران وتركيا، وقسمت المناطق على الثلاثة، وبوتين أخذ نصيبه، وتركيا أردوغان أخذت حصة أرادتها منذ زمن بعيد، وإيران نالت اعترافاً من الجار المخادع بأحقيتها في وجودها بأرض الشام، ونفذت خطة الترحيل وتبادل المواقع بين القوى المتحاربة، بمشاركة من سلاح الجو الروسي، فالطائرات تمهد الأرض لكل طرف، والشاحنات المحمية من حزب نصر الله الإيراني تنقل المرحلين بسلاحهم ودروعهم البشرية، حتى اكتملت اللعبة.
استحيا الرئيس الروسي بوتين ولهذا لم يقل ما شاء، فقال إنه يخشى أن تؤدي مناطق خفض التصعيد إلى التقسيم، لأنه يرى الواقع الذي يؤكد حصول ذلك، وهو قائد عسكري قبل أن يكون رئيساً مدنياً، ويفهم أن المعطيات قد رسخت تقسيماً طائفياً وعرقياً ومذهبياً ممنهجاً في سوريا، وأن كل ذلك لم يكن ليحدث لولا الدعم اللوجستي الروسي الذي مهد كل الطرق المؤدية إليه بآلاف الغارات ومئات الآلاف من النازحين بعد الكم الهائل من ضحايا القصف العشوائي للأبرياء.
لعبت روسيا على التناقضات في المنطقة وليس في سوريا فقط، ومثلت علينا جميعاً أدواراً متصادمة حتى حار معها الجميع، ولكن ما حدث في الشام لن يغفل عنه التاريخ ولن ينساه الناس، وسواء خشي الرئيس اليوم أو استحيا من قول الحقيقة، فذلك لن يبيض صفحاتها أو يمنحها صك براءة.