ليومين متتاليين، كان رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم هو نجم مواقع التواصل بامتياز، وتردد اسمه في مئات الآلاف من التدوينات والتغريدات، وكل ذلك بسبب موقفه الرائع في مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي الذي عقد في سان بطرسبرغ في روسيا، حين نجح بطرد الوفد الإسرائيلي بعد هجوم سياسي قوي؛ سبقته كلمات متميزة أهمها كلمة عضو مجلس النواب الأردني وفاء بني مصطفى، وعضو البرلمان التونسي، وفاء القسنطيني.
للكويت وأهلها مواقف مشهودة من القضية الفلسطينية طوال تاريخها، وللغانم -أيضا- مواقف سابقة مهمة على هذا الصعيد، وتوجيه التحية لهم واجب بكل تأكيد، لكن ما يعنينا هنا أكثر في هذه القراءة، هو ذلك الاحتفاء الكبير الذي لاقاه موقف الرجل في الأوساط العربية والإسلامية، الأمر الذي ينسف كل تلك النظريات التي ذهبت بعيدا في نعي القضية، والحديث عن تراجعها في الوعي الجمعي للجماهير العربية والإسلامية.
فلسطين كانت قضية الأمة المركزية، وهي ما زالت كذلك رغم كثرة الجراح، ورغم العدوان الإيراني على غالبية الأمة، والذي زاد من بؤسه استخدامه المبتذل لقضية المقاومة والممانعة وفلسطين لإخفاء دوافع طائفية معروفة ومفضوحة، ورغم المعاناة التي تعيشها الأمة؛ إن بسبب ذلك العدوان وتبعاته، أم بسبب الثورة المضادة، أم لأسباب أخرى مختلفة.
هذا الاحتفاء بوقفة الغانم هو تعبير عن انحياز الأمة لقضيتها المركزية، كما هو رد في الآن نفسه على تلك المساعي المشبوهة، للتلاعب بالوعي الجمعي للأمة تمهيدا لعمليات تطبيع مع العدو، بعضها في العلن، وبعضها الآخر في السر، ومن تابع خلال الأشهر الماضية ذلك التبجح الصهيوني بهذه العلاقات المتصاعدة مع دول عربية يدرك أن الأمر ليس عفويا بحال، وأن هناك من يريد أن يمد حبل الوصال مع العدو من أجل شطب القضية. وحين يقف زعماء كبار محسوبون على الأمة أمام الأمم المتحدة ولا يتذكرون هذه القضية، بينما يطالب بعض آخر بوقف «المقاطعة» لدولة العدو، فلنا أن ندرك أي بؤس يبشرنا به أولئك.
قبل 3 أشهر، تابعنا عودة القضية الفلسطينية إلى الصدارة من خلال معركة البوابات الإلكترونية للمسجد الأقصى، والتي فرض فيها الشعب الفلسطيني إرادته على الغزاة، وها إن وقفة الغانم الجميلة تذكرنا بأولوية القضية في الوعي الجمعي للأمة، ولنا أن نتخيل تبعا لذلك الحال لو أن المقاومة حيّة وقوية في الأراضي الفلسطينية كيف سيكون المشهد في الأوساط العربية والإسلامية، وبين أحرار العالم؟ ذلك أن الأحرار في كل العالم يحبون ويحترمون الشعوب التي تقاوم، وليس التي تصمت، والشعب الفلسطيني قادر على المقاومة، ومنحاز إليها، وهو مستمر فيها بما تيسر، لكن معضلته تكمن في قرار سياسي يلجمه، وتعاون أمني يطارده. وهو رغم ذلك كله سيواصل نضاله وسيفرض إرادته، وسيكنس الغزاة من أرضه المقدسة عاجلا أو آجلا.