نون والقلم

المصالحة الفلسطينية الممكنة

لم يضع الانقسام الفلسطيني طوال عشر سنوات أوزاره وموبقاته بعد، لكنه على وشك التحقق تدريجياً بقدر ما تتمكن حكومة الوفاق برئاسة رامي الحمد الله من تمكين نفسها في غزة وانتزاع الصلاحيات من إدارة حماس التي لا تؤدي واجباتها تجاه رعاياها، بل تقوم بالجباية والمكوس فقط دون أية خدمات من جانبها. المفاوضات الشاقة بين وفدي حماس وفتح في مقر المخابرات المصرية لم تكن سهلة، فالمصريون أرادوا استغلال الوقت، لأن الإدارة الأمريكية التي طالما نظرت نظرة عداء للمصالحة الفلسطينية، وهدّدت مراراً بمقاطعة أية حكومة تشارك فيها حركة حماس، بل وهددت بإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن عدا قطع المساعدات، هذه الإدارة رحّبت بالمصالحة أثناء المفاوضات في القاهرة بلسان المبعوث الأمريكي جرينبلات، كما أن الدعم الأمريكي جعل الأبواق «الإسرائيلية» المعارضة تلتزم الصمت، وبعث رئيس الوزراء «الإسرائيلي» وفداً إلى القاهرة لمدة ثلاث ساعات، ليعرف ما يدور هناك ويشرح مطالب «إسرائيل»، خاصة نزع سلاح حماس، وهو ما يراه المصريون قضية مؤجلة طالما أن هناك اتفاقاً للتهدئة تلتزم به حماس.
عملياً خرج الموقف عن السيطرة «الإسرائيلية»، فمصر كانت مصممة على النجاح، واستغرق الأمر عشر ساعات من المفاوضات في اليوم الأول وعشر ساعات في اليوم الثاني.
التقديرات المصرية كانت أن القيادة الجديدة لحماس جادة وصادقة، لأنها خبرت القيادات السابقة التي كانت تعد ولا تنفذ وتماطل لكسب الوقت في التشاور بين غزة والدوحة وأنقرة، وفي النهاية حاولت نقل ملف المصالحة إلى الدوحة.. فكيف يمكن إنجاز مصالحة دون مصر؟ بل وكيف يمكن التوافق على تنفيذ مصالحة فلسطينية قبل المصالحة بين مصر وحماس؟ في السابق سعت فتح لترطيب الأجواء بين حماس ومصر، لكن مواقف حماس السلبية ضد مصر أفشلت تلك المحاولات قبل انتخاب قيادة حماس الجديدة.
عندما التقى القيادي الجديد في حماس يحيى السنوار مع المخابرات المصرية قبل شهور، لمسوا فيه جديّة، ولما سردوا عليه المطالب المصرية الخاصة بتحسين العلاقات وعلى رأسها الملف الأمني، استجاب للطلبات دون مماطلة، وسيطر على الحدود وأقام نقاط مراقبة، وتعهد بمكافحة الأنفاق ووقف الدعم اللوجستي للإرهابيين في سيناء، وملاحقة أية خلايا في غزة لها علاقة بالهجمات في سيناء.
كان السنوار يتصرف وهو يعي أنه تحت الاختبار المصري، ويبدو أنه نجح في الاختبار، رغم أن جهات سيادية مصرية ما زالت غاضبة على حماس، وتتهمها بإراقة الدم المصري في أوقات سابقة، لكن القرار السياسي المصري كان واضحاً، وهو أن معضلة حماس يجب أن تحل كمقدمة لحل أزمة غزة، ولا يمكن حل أزمة غزة دون المصالحة الفلسطينية، ولا يمكن أن تطرح أية مبادرات للسلام من قبل الإدارة الأمريكية والوضع الفلسطيني منقسم على نفسه، ولهذا دُعي الطرفان مجدداً إلى القاهرة، وتم إنضاج التوافق على التنفيذ وبطريقة لا تروق لقيادة حماس السابقة، لأن الإضافات التي طالبت بها حماس في السابق جرى تجاهلها بالكامل وتركها للحكومة للنظر فيها، وفقاً لبنود المصالحة 2011 ، ومنها دمج موظفي حماس فوراً في سلم رواتب الحكومة، وإشراك حماس في إدارة الضفة.. الخ.
كان الجميع ينظرون إلى المعابر كمفتاح يفك الحصار عن غزة، وجرى الاتفاق على تسليم المعابر للحرس الرئاسي وكذلك الحدود، وسيتم تشغيل معبر رفح وفقاً لاتفاق 2005 أي بوجود أوروبي كمراقب. وهناك مشكلة الكهرباء، حيث سيجري بحثها فنياً عن كثب للسيطرة على الجباية أولاً، وتوفير التيار من الاحتلال ومحطة غزة ومصر، وهذه تحتاج إلى إعادة تشكيل شركة الكهرباء على أسس تجارية، حيث كانت الجباية في السابق تذهب لحركة حماس دون أن تسدد أثمان الكهرباء للاحتلال أو مصر وتتولّى السلطة التسديد.
ما هو عاجل حالياً هو المعابر والكهرباء، وهذه خطوة ينتظرها أهل غزة بفارغ الصبر، لأنهم تحت حصار، إذ لا تصلهم الكهرباء إلا ثلاث ساعات يومياً! بعكس نظرية الدكتور الزهار وغيره ممن قلّلوا من أهمية الكهرباء قائلين إن أجدادنا عاشوا بلا كهرباء وفتحوا دولاً، وتجاهل هؤلاء أن أهل غزة يعرفون أن لدى كل واحد من هذه القيادات أكثر من مولد كهرباء في منزله.
عجلة المصالحة بفضل التدخل المصري السريع تحركت بعد موجة من التشاؤم، فهناك تصميم مصري على متابعة تنفيذها عن قرب، وسيتم افتتاح قنصلية مصرية في غزة لهذا الأمر. بالطبع هناك من يعارض المصالحة من المتربّحين من الانقسام، ومن الذين حصلوا على امتيازات ومناصب في غفلة من الزمن، لكن هؤلاء هدّدهم السنوار مسبقاً بكسر الرقاب.

نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى