تسارع الاحداث والوقائع في الارض المحتلة، وخاصة رفع وتيرة الاستيطان وبشكل هستيري وجنوني، لم يسبق له مثيل .. أنهى والى الأبد حل ما يسمى بالدولتين، وجعل خيار حل الدولة الواحدة ثنائية القومية .. هو الخيار الاكثر ترجيحا لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
وفي هذا الصدد فلا بد من التوقف عند مفهومين متناقضين لما يسمى بحل الدولة الواحدة أولا: ان ما يخطط له اليمين الصهيوني المتطرف الفاشي، بقيادة نتنياهو يتمحور حول اقامة دولة يهودية في كل فلسطين من البحر الى النهر – ما عدا غزة – بعد ضم الضفة الغربية، والتي يطلق عليها «يهودا والسامرة » والقدس الشرقية، ومنح الفلسطينين حكما ذاتيا، باعتبارهم اقلية في دولة اسرائيل، وظيفتها العمل كعبيد في دولة «يهودا» شأن عبيد روما في الامبراطورية الرومانية..
اما المفهوم الثاني فهو ما طبق في جنوب افريقيا، وهو ما اصبح في عرف كتاب ومحللين وساسة اسرائيلين الخيار الاكثر ترجيحا، متهمين نتنياهو وحكومته مسؤولية الوصول الى هذا الحل، والذي يعتبره البعض منهم بمثابة الانتحار لاسرائيل، بعد ما دمر نتنياهو باطلاق عملية الاستيطان حل الدولتين، اذ استولى على أكثر من 66% من اراضي الضفة الغربية، و 88% من اراضي القدس المحتلة، وحول ما تبقى من اراضي الى كانتونات وجزر معزولة، بفعل الطرق الالتفافية وجدار الفصل العنصري والمستوطنات والبؤر الاستيطانية، التي اصبحت تضم اكثر من «750» الف مستوطن حاقد مدجج بالسلاح يعيثون في الارض الفلسطينية خرابا وتدميرا .
لقد حذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه الاخير في الامم المتحدة من المخطط الاسرائيلي، الغارق في العنصرية و«الابرتهايد »، مؤكدا في الوقت نفسه بان منظمة التحرير مستعدة لحل الدولة الواحدة كما حدث في جنوب اقريقيا، شريطة تحقيق المساواة بين جميع مواطني هذه الدولة ( فلسطينيين واسرائيلين ).
وفي هذا الصدد نشير الى ان الدكتور رشيد الخالدي في كتابه التاريخي الرصين ( القفص الحديدي ) الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر الطبعة الاولى 2008، تطرق الى خيار الدولة الواحدة ثنائية القومية بالتفصيل، مشيرا ( الى ان قبضة اسرائيل الحديدية على الضفة الغربية والقدس الشرقية، قضت على كل امكانية لاقامة ما يمكن ان يدعى شرعا بانه دولة فلسطينية، وشكك بالتالي فيما اذا كان حل الدولتين ما زال ممكنا، تلك هي الحال اذا أخذ مفهوم الدولة الفلسطينية، بحيث يعني دولة مستقلة، قابلة للحياة ، وذات سيادة، تقوم على 22% من الاراضي الفلسطينية، وهي الاراضي المتبقية من ارض فلسطين الانتدابية، وقد احتلتها اسرائيل في حزيران عام 1967 ) ص 250 .
ويضيف الخالدي ( لقد جعل الاستيطان والضم التدريجي للضفة الغربية والقدس الشرقية من اقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيا، أمرا مستحيلا، وهو ما سيؤدي في النهاية الى كيان واحد .. دولة واحدة ذات أغلبية عربية، على غرار ما حدث في جنوب افريقيا ) ص251 . ومن هنا :
فالذين يتوقعون قيام دولة واحدة نتيجة لاستحالة حل الدولتين في فلسطين التاريخية الممتدة ما بين البحر والنهر، انهم لا يدافعون عن هذه النتيجة، بل يتصورون أنها ستكون حتمية، اذا استمرت السياسات الاسرائيلية الاجرامية العدوانية، وخاصة الاستيطان .
ويذكرنا هذا الخيار، بطروحات منظمة التحرير المبكرة، وهي ( اقامة دولة علمانية ديموقراطية، على كامل اراضي فلسطين، مع حقوق متساوية لجميع سكانها : الفلسطينين والاسرائيلين ) .
ويضع الخالدي يده على نقطة هامة، اذ يؤكد الى « ان اشد المعارضين لفكرة الدولة الواحدة، ثنائية القومية، هم من يصرون على أن تبقى اسرائيل دولة يهودية » علما ان اسرائيل انشئت بقرار من الجمعية العامة للامم المتحدة، وهو قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 والذي يدعو الى إقامة دولة لليهود على 56% من اراضي فلسطين التاريخية، ودولة للشعب الفلسطيني على 44%، مع بقاء القدس مدينة مفتوحة ذات نظام خاص تشرف عليه الامم المتحدة .
باختصار..
أصبح الحديث عن حل الدولة الواحدة، ثنائية القومية المحور الرئيس في الغرف المغلقة والمفتوحة .. في الصحف والمنتديات حتى وصل الى منبر الامم المتحدة، بعدما أغتال الارهابي نتنياهو حل الدولتين، وهذا في تقديرنا يفرض على القيادة الفلسطينية الاستعداد لهذه المرحلة، وهي على ما يبدو أقرب مما نعتقد، ويعتقد كثيرون ،باعتبارها الحل الوحيد الممكن على غرار ما حدث في جنوب افريقيا .
ولكل حدث حديث ..