نون والقلم

الإمارات.. وحدة القيادة والشعب

كانت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ قيامها في العام 1971 ولا تزال، مؤمنة أشد الإيمان بما جاء في دستورها، الذي ينص بأن «الاتحاد هو جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير، وتربطه به روابط الدين الإسلامي، واللغة العربية والتاريخ الواحد، والمصير المشترك. وشعب الاتحاد جزء لا يتجزأ من الأمتين العربية والإسلامية، دينه الإسلام، والشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع..».

لا شك أن السياسة الإنسانية الحكيمة للمؤسس ، رحمه الله ، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والسير على نهجه بمد يد العون للأشقاء والأصدقاء من شعوب العالم أكسب الدولة مكاناً متميزاً في مجال العمل الإنساني الدولي، وأصبحت الإمارات نموذجاً يحظى بالتقدير والاحترام على كافة الصعد في التضامن والتكاتف مع كافة شعوب العالم في أوقات المحن والأزمات.
وترجمت الإمارات هذا الانتماء الحقيقي على أرض الواقع على مدى تاريخها، عطاءً بالمال والبناء، والمشاركة بالقوات، والتضحية بالدم وبالغالي والنفيس، وكانت ولا تزال إلى جانب الشرعية، وتؤمن بعدم التدخل في شؤون الدول الشقيقة والصديقة الأخرى، إلا وفق ما تمليه القرارات الدولية ومصالح الشعوب ووحدة الأوطان.
فبعد أن نهشت الحرب الأهلية لبنان في سبعينات القرن الماضي، تم تشكيل قوات الردع العربية في العام 1976 من ست دول عربية كانت الإمارات من بينها، إضافة إلى سوريا والسودان والسعودية واليمن الجنوبي ولبنان، وذلك لإعادة الاستقرار والهدوء إلى مناطق القتال وحفظ الدم العربي في لبنان. ولم يكن عمر اتحاد دولة الإمارات آنذاك قد تجاوز الخمس سنوات، إلا أن القيادة استشعرت التزاماً خاصاً نحو شعب شقيق، كانت ولا تزال تكن له المودة والخير والاستقرار، وأرسلت أبناءها للمشاركة في قوات الردع العربية.

وفي العام 1991، حين أقدم النظام العراقي بقيادة الرئيس الراحل صدام حسين على احتلال دولة الكويت وتشريد شعبها، شاركت دولة الإمارات العربية المتحدة في قوات «عاصفة الصحراء» ضمن تحالف عربي وغربي لتحرير الكويت، ووقفت جنباً إلى جنب مع أشقائها العرب والخليجيين. وقبل انطلاق العاصفة استضافت الإمارات الآلاف من الأخوة الكويتيين وأكرمت وفادتهم ولم تشعرهم لحظة واحدة بأنهم غرباء، وكان ذلك بتوجيهات دقيقة وكريمة من المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يرحمه الله.

وفي تاريخ 26 مارس/آذار 2015، وبعد أن انقلب الحوثيون على السلطة الشرعية في الجمهورية اليمنية، وأصبحوا يهددون وحدة اليمن بدعم خارجي له أطماع كبيرة في المنطقة، انضمت الإمارات إلى التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، تحت ما اتفق على تسميته «عاصفة الحزم» للوقوف إلى جانب الشرعية. ومنذ ذلك اليوم والإمارات تلعب دوراً محورياً، إن كان في العمليات العسكرية، أو في تقديم الدعم الإنساني لمئات الآلاف من اليمنيين الذين تشردوا بفعل ممارسات الحوثيين غير الأخلاقية وغير الإنسانية، انطلاقاً من واجبها العروبي والإنساني. وقدمت منذ ذلك التاريخ حتى اليوم عشرات الشهداء، ليمتزج الدم الإماراتي بالدم اليمني على أرض اليمن. ولم تثن هذه التضحيات الدولة عن تجديد موقفها الثابت والحازم لنصرة أشقائها وإعادة الشرعية، وتأمين البعد الاستراتيجي لمنطقة الخليج العربي، وحماية حدوده من أي هيمنة خارجية.
وما بين تلك المشاركات كانت الإمارات سباقة إلى مد يد العون والمساعدة للشعوب التي تضررت من تبعات ما أطلق عليه (الربيع العربي)، فوقفت ولا تزال إلى جانب الشعوب العربية في ليبيا وسوريا ومصر والعراق والصومال وتونس.

أما موقفها من القضية الفلسطينية ، فقد اتسم بالأصالة إن كان عن طريق دعم السلطة الوطنية الفلسطينية، أو إعادة إعمار ما دمرته الآلة العسكرية «الإسرائيلية» في الضفة الغربية (إعادة إعمار مخيم جنين) على سبيل الذكر لا الحصر، وكذلك الوقوف إلى جانب الفلسطينيين في قطاع غزة، ودعم أسر الشهداء والجرحى والمؤسسات الصحية والتعليمية والخيرية والإنسانية.
وقد تجاوزت مشاركات الجيش الإماراتي الباسل حدود الوطن العربي إيماناً منه بوحدة المصير المشترك، فشارك في قوات حفظ السلام في أكثر من مكان في العالم. وقد لاقت هذه المشاركات إشادات واسعة من قبل الأمم المتحدة ومنظماتها.

إن ما يلفت الانتباه في كل هذه المشاركات، وقوف الشعب الإماراتي بفئاته كافة، إلى جانب قيادته وجيشه، فكان المؤيد المخلص لقرارات القيادة، والداعم الصادق للحملات والمساعدات، إن كانت مالية أو عينية أو بشرية، وهذا لا يحدث إلا نادراً في مسيرات وتاريخ الأمم والشعوب؛ أن يجمع شعب بأكمله على صواب قرارات قيادته، ويدعم سياسته الداخلية والخارجية.

لقد فقدت الإمارات عدداً من أبناء قواتها المسلحة في الفترة الأخيرة، وكان الخبر محزناً إلى درجة كبيرة، فهم من خيرة شباب الإمارات الذين وهبوا أنفسهم للدفاع عن أراضيهم ومساندة أصحاب الحق والانتصار للمظلوم، وكان الخبر مؤلماً للشعب الإماراتي وكل من يقيم على أرض الإمارات، ولكل أصدقاء ومحبي شعب دولة الإمارات، وهم كثيرون ولله الحمد، لكن الحزن الأكبر والمصاب الأعظم سيكون لأهالي الشهداء وأقاربهم وآبائهم وأبنائهم وزوجاتهم، ولهذا، فإن علينا كشعب إماراتي أصيل مؤمن بقضاء الله وقدره واجباً مضاعفاً، علينا الوقوف إلى جانب أسر الشهداء وقفة صدق ومحبة وتآزر ومواساة، بالحضور المباشر والمشاركة في تقديم واجب العزاء لأهالي الأبطال، وذلك بالكلمة الطيبة الصادقة المواسية التي تشد من أزر الأهالي وتخفف من مصابهم الجلل. وهناك واجب آخر يتساوى في الأهمية، وهو الالتفاف حول قادتنا الرشيدة أكثر من أي وقت مضى، كي نفوت الفرصة على المغرضين، والتأكيد على قوة الولاء والانتماء لوطننا الغالي ولقيادتنا الرشيدة، وإظهار مشاعر الاستعداد للتضحية من أجل أن تبقى الإمارات العربية المتحدة مرفوعة الرأس، شامخة شموخ الجبال الرواسي عميقة في ساسها كجذور النخل في أصالتها وعطائها، راسخة الإرادة وقوية التصميم، حتى نتجاوز هذه الصدمة، ونتعالى على الجراح، ونواصل الطريق بهمة الفرسان الشجعان، لنصرة الشعب العربي اليمني المظلوم، وإعادة الشرعية لهذا البلد الشقيق، والحفاظ على وحدة أراضيه، والتمسك بسيادته على ثرواته ومنافذه البرية والبحرية والجوية.

لا شك أنه امتحان كبير، ولا شك أن النجاح به يمر من خلال تعزيز مسارات الوحدة الوطنية وتأكيد الولاء والانتماء المطلق لقيادتنا الرشيدة، ولدماء شهدائنا الأبرار الذين سجلوا بدمائهم الطاهرة تاريخاً مشرفاً ومشرقاً يضاف إلى ذاكرة الزمان والمكان، ووحدة تراب وطننا الغالي وطن الخير والعطاء الإمارات.

وقد انطلق الشعب الإماراتي بشكل تلقائي في ترجمة الالتفاف والانتماء لوطنه وقيادته الرشيدة ، ما جسد نموذجاً للحكم الرشيد وما يؤدي إليه من تطور المجتمعات واستقرارها على كافة المستويات، ومن يرصد وسائل التواصل الاجتماعي سيعلم أن الانتماء والولاء أصبح من ثقافة شعبنا الكريم، الذي تقوده قيادة كريمة، وأضحت قيم الاتحاد ومبادئه ثقافة عامة وسلوكاً يومياً وأسلوب حياة يمارسه ويقبل عليه المواطن الإماراتي خدمة لوطنه ، وبهذا النهج تبقى الإمارات منبعاً ونبراساً للقيم العربية الأصيلة، ولكن لا نريد لهذا الشحنة الوطنية أن تتوقف، بل تتحول إلى مفردة تغذي أيامنا بالفخر والعزة والشموخ والإباء ، لتبقى راية العز راية الإمارات خفاقة.

وليرحم الله الشهداء الأبرار، وليحفظ إمارات الخير والعطاء من المحن ما ظهر منها وما بطن…

نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى