نون والقلم

تركيا توسع نفوذها في سوريا

خرجت تركيا من الساحة السورية من الباب، وها هي تعود من الشباك. دخلت تركيا إلى سوريا من باب محاولة التوسط بين النظام والمعارضة. لكنها سرعان ما رفعت شعاراتها الكبرى من إسقاط النظام إلى الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط ككل. لم تتأخر في أن تقف إلى جانب «ثورة يناير» من أجل إزاحة حسني مبارك ليكون بديلها حكم «الإخوان المسلمين» بزعامة محمد مرسي. ومن ثم دعم وصول «حركة النهضة» في تونس إلى السلطة.

 

لكن التطورات أفضت إلى متغيرات تناهض السعي التركي للهيمنة. وما إن أطل العام 2013 حتى كان أكراد سوريا بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي يخرجون بمشروع فاجأ الأتراك وهو السيطرة على ما أمكن من الشريط الحدودي مع تركيا وإعلان مناطق حكم ذاتي والمطالبة بفيدرالية لشمال سوريا.

 

هذا العامل أظهر أن أنقرة لم تكن تتوقع هذا التطور ودخل في خانة الحسابات الخاطئة والتقديرات غير المحسوبة لأنقرة في سوريا. ونفتح هنا قوسين لنشير بعجالة إلى أن خطأ التقديرات التركية انتقل إلى العراق، حيث صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه لم يكن يتوقع أن يصر رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني على إجراء الاستفتاء.

 

في خضم حديث تركيا عن حشود عسكرية على حدود إقليم كردستان العراق، ومناورات مشتركة مع ايران والعراق، والتهديد بمحاصرة شمال العراق، كانت الأنظار تتجه إلى مكان آخر. بدأ الجيش التركي قبل أيام عملية عسكرية للانتشار في محافظة إدلب وفرض الأمن فيها نتيجة تفاهمات أستانا مع روسيا وإيران في تحويل إدلب إلى منطقة خفض تصعيد.

 

واللافت أنه وفقاً لتصريحات تركيا أن الجيش التركي سينتشر في المدينة نفسها، فيما المراقبون الروس سينتشرون في ريف المحافظة. العملية العسكرية التركية تحظى بغطاء جوي روسي، وهذه سابقة في عمليات الساحة السورية، حيث كانت التحركات التركية تحظى بغطاء ودعم قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا. لكن الافتراق التركي – الأمريكي نتيجة الموقف من الأكراد، والمحاولة الانقلابية الفاشلة ضد أردوغان، وسّعت الهوة بين البلدين وقرّبت أنقرة من موسكو وطهران. وقد استفادت أنقرة من رغبة موسكو في تحقيق خرق في بلد أطلسي هو تركيا ودخلت سوريا في عملية «درع الفرات». واليوم يتكرر السيناريو بطريقة أخرى في منطقة إدلب.

 

تستفيد تركيا اليوم في توسيع سيطرتها داخل الأراضي السورية، أولاً في عدم إتاحة الفرصة للجيش النظامي السوري للسيطرة على المحافظة. ثانياً في توسيع النفوذ التركي على الأرض السورية. ثالثاً عدم تعرض إدلب لهجوم النظام السوري يحول دون حصول موجات هجرة كثيفة من إدلب إلى الداخل التركي، وما تثيره من أعباء. رابعاً أيضاً فإن أي حرب بين النظام ومسلحي إدلب من كل الفصائل قد ينتهي إلى لجوء عدد كبير من المسلحين إلى داخل تركيا وهو ما لا ترغب فيه الأخيرة.

 

وفي ميزان الربح والخسارة، فإن تولي تركيا أمر محافظة إدلب يخفف العبء والخسائر عن دمشق وروسيا، وحلفائهما في حال قرروا الدخول في مواجهة عسكرية مع الفصائل المسلحة في إدلب. كما إنه يتيح تفرغ دمشق وحلفائهما لمعارك دير الزور والميادين وألبوكمال المقبلة.

 

وفي المقابل، فإن تركيا تحقق هدفاً استراتيجياً وهو منع الأكراد من التمدد جنوباً من عفرين للسيطرة على إدلب ومنها إلى البحر المتوسط، وبالتالي منع استكمال تواصل الكوريدور الكردي. كذلك فإن تركيا بإمكانها بعد استكمال السيطرة على إدلب اتخاذها منصة انطلاق للهجوم على عفرين من كل الجهات والتخلص من هذا الكانتون الكردي الواقع في أقصى الزاوية الشمالية الغربية من سوريا على الحدود التركية.

بذلك يمكن القول إن تركيا باتت تسيطر على شريط حدودي طويل من جرابلس على نهار الفرات إلى أقصى جنوب لواء الإسكندرون ولا يقطعه سوى كانتون عفرين الكردي. ويشبه هذا الشريط ما كان عليه جنوب لبنان أثناء الاحتلال «الإسرائيلي» عندما كانت القوات «الإسرائيلية» موجودة داعمة الميليشيات العميلة لها. فهل تستكمل تركيا وصل هذا الشريط باحتلال عفرين؟ وهل يكون هذا الشريط منطقة نفوذ تركية دائمة حتى لو انسحب منها الجيش التركي لاحقاً في إطار تسوية معينة؟.

 

في المحصلة فشلت تركيا في أهدافها الكبرى لكنها نجحت في أن تخلق منطقة نفوذ لها لم تكن قبل الحرب السورية بل منذ العام 1921 تاريخ ترسيم الحدود التركية- السورية، باستثناء وضع الإسكندرون الذي ذهب لاحقاً إلى تركيا في العام 1939.

 نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى