كثيرة هي التحديات التي تواجه تثبيت عملية المصالحة الفلسطينية التي قطعت شوطاً مهماً، ولكنها مازالت على طريق صعب. هناك ملفات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية تحتاج إلى معالجة، ولكن الملف الأمني في قطاع غزة لا بد أن يحظى بعناية خاصة. فهذا الملف هو الأكثر تعقيداً، إلى جانب ملف البرنامج السياسي المشترك وما يتضمنه بشأن عملية التسوية والموقف تجاه إسرائيل.
فقد أحكمت حركة «حماس» قبضتها الأمنية على قطاع غزة، ووظفَّت عشرات الآلاف الذين يدينون لها بالولاء في أجهزة الأمن، وليس واضحاً بعد المنهج الذي سيُتبع في معالجة هذا الملف، وكيفية إعادة ترتيب أوضاع الأجهزة الأمنية في القطاع بحيث تتبع الحكومة التي يفترض أن حركة «حماس» ستشارك فيها، فهل سيتم دمجها في نظيراتها في الضفة الغربية كما هي، أم ستُعاد هيكلة هذه وتلك. والمهم في هذا كله هو تحديد القواعد التي ستتبع سواء في عملية إلحاق العاملين في أجهزة الأمن في القطاع في نظيراتها في الضفة، أو في عملية إعادة الهيكلة الشاملة.
ويثير ذلك أسئلة من أهمها على سبيل المثال كيفية تصرف حركة «فتح» بشأن مطالب يمكن، بل يُتوقع، أن تطرحها حركة «حماس» في أي من الحالتين، سواء بشأن القواعد أو الأشخاص، أوكيفية توزيع المناصب القيادية في الأجهزة.
وهناك مشكلة لا تقل صعوبة في هذا الملف، وهي وضع «كتائب القسام» التي أصبحت جيشاً يتحكم في مواقع حساسة في قطاع غزة، ولديه مخازن أسلحة وأماكن تدريب. ولذلك لا بد أن يُثار السؤال عن العلاقة بين الحكومة التي يفترض أنها تولت السلطة في قطاع غزة، و«كتائب القسام».
ويثير هذا السؤال مقارنة مع الوضع في لبنان، حيث لا تملك الحكومة سلطة على قوات حزب الله، علماً بأن الوضع الفلسطيني أكثر تعقيداً، فالتعدد والتنوع الواسعان في لبنان يُقلَّلان أثر وجود كيان عسكري لا يتبع الحكومة، لأنه يحول دون حدوث استقطاب ثنائي، بخلاف الوضع الفلسطيني المُستقطب حتى النخاع بين «فتح» و«حماس».
والحال أن الملف الأمني يتطلب جدية كاملة من الطرفين في معالجته انطلاقاً من التفاهم على قواعد واضحة. ولكن الأهم من التفاهم هو الالتزام بعد ذلك بما يتم الاتفاق عليه.