نون والقلم

تجديد بناء الثقة بين مصر وإثيوبيا

البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية المصرية عقب اللقاء الذي تم بين السفير المصري في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ورئيس الوزراء الإثيوبي هايليماريم ديسالين (6/10/2017)، يكشف مدى الحرص المصري على التأسيس لمرحلة جديدة من بناء الثقة مع إثيوبيا ، فقد ركز البيان على ما تضمنه اللقاء من حرص على تطوير وتعزيز اللقاءات الثنائية بين البلدين، والإشارة لأهمية الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها رئيس الوزراء الإثيوبي للقاهرة للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وحضور اجتماع اللجنة العليا المشتركة التي ستعقد تحت عنوان «تنمية الاستثمار والعلاقات التجارية بين مصر وإثيوبيا»، لكنه، وفي الوقت نفسه، كان حريصاً على عدم الإشارة إلى ملف أزمة سد النهضة بين البلدين، واكتفى بتأكيد اهتمام البلدين على تنفيذ إجراءات بناء الثقة.

 

الواضح أن مصر التي باتت تدرك مدى حساسية وتعقد الموقف الخلافي حول سد النهضة، اختارت منهجية تدعيم العلاقات وبناء الثقة، وتعميق المصالح المشتركة على المستويات الاقتصادية والتجارية كمدخل بديل للتصعيد والمواجهة لحل الخلافات في المواقف والرؤى بين البلدين حول سد النهضة. وهذه المنهجية تأتي استثماراً للنجاحات التي حققتها مصر في مفاوضات أوغندا (27/3/2017) التي توصلت إلى تسوية «ترضي جميع الأطراف» لإدارة مياه نهر النيل على المستوى الإقليمي كحل للخلاف القانوني والمؤسسي بين مصر وهذه الدول التي أقدمت على خطوة التوقيع المنفرد على «اتفاقية الإطار القانوني لحوض النيل» المعروفة إعلامياً باسم «اتفاقية عنتيبي» في 14 مايو/ أيار 2010 ورفضت مصر التوقيع عليها.

 

فقد حرصت مصر بحضورها مفاوضات مارس/آذار الماضي في أوغندا، على فك تجميد عضويتها في مبادرة حوض النيل والعودة إلى ممارسة أنشطتها كاملة في المبادرة، وبالذات في حال الأخذ بوجهة النظر المصرية التي طرحت مبادرة للتفاوض على وثيقة قانونية جديدة أشبه باتفاق المبادئ الذي وقعته مع كل من إثيوبيا والسودان (دول حوض النيل الشرقي)، في مارس 2015، الأمر الذي يعني أن مصر ملتزمة باتفاقية المبادئ تلك مع إثيوبيا، وهي إشارة مصرية مهمة ضمن مسعى بناء الثقة مع إثيوبيا الذي تسعى مصر إلى تدعيمه من خلال التعاون المشترك وخلق فرص تعميق المصالح بين البلدين على نحو ما أشار بيان الخارجية المصرية.

 

فالقاهرة تعتبر وثيقة المبادئ تلك «اتفاقاً تاريخياً» يأتي كخطوة أولى في طريق حل الخلاف والتوافق السلمي بين الدول الثلاث لحل المشكلات العالقة بشأن إدارة المياه في حوض النيل الشرقي النابع من الهضبة الإثيوبية، وتحصل منه مصر على 85% من حصتها السنوية من المياه. وتتضمن الاتفاقية عشرة مبادئ أساسية تحتكم إليها الدول في اتفاقية مستقبلية حول مياه نهر النيل، من أبرزها التعاون من خلال التفاهم المشترك وحسن النيات، وتفهم الاحتياجات المائية لدول المنبع والمصب، ومبدأ عدم التسبب بضرر ذي شأن، ومبدأ الاستخدام المنصف والمناسب، وهو المبدأ الذي نص على أن «تستخدم الدول الثلاث مواردها المائية المشتركة في أقاليمها بأسلوب منصف ومناسب»، ومبدأ التعاون في الملء الأول (لسد النهضة الإثيوبي)، وإدارة السد من خلال توصيات لجنة الخبراء الدولية، إضافة إلى مبادئ أخرى لا تقل أهمية، مثل مبدأ السيادة ووحدة إقليم الدولة، إضافة إلى مبادئ بناء الثقة وتبادل المعلومات والتسوية السلمية للمنازعات.

 

مصر كانت واعية لخطورة مثل هذه المبادئ التي تخدم في مجملها الأهداف والسياسات الإثيوبية، وعلى الأخص إقرار مبدأ السيادة على الأراضي والموارد الذي لن يكون في مجمله لمصلحة مصر، إذ يعطي لكل دولة، خاصة إثيوبيا، كامل الحق في التصرف في الموارد المائية الواقعة تحت ولايتها من دون الالتزام بتعهدات دولية، إضافة إلى تجاهل هذه المبادئ لمبدأ اللجوء إلى التحكيم الدولي في حل المنازعات، واقتصار الأمر على حسن النية وبناء الثقة، لذلك كان حرص الرئيس المصري التعليق على هذه الوثيقة في حفل التوقيع عليها أن يقول إن «هذا اتفاق إطار وسيكتمل، ونحن اخترنا التعاون واخترنا الثقة من أجل التنمية واستكمال هذا الاتفاق الإطار». وقوله أيضاً: «سنمضي قدماً في الطريق الذي اخترنا أن نسلكه معاً حتى ننتهي للاتفاق على قواعد ملء خزان النهضة الإثيوبي وفي أسلوب يحقق المنفعة والتنمية لإثيوبيا من دون الإضرار بمصالح مصر والسودان»، وهذا ما حرص عليه بيان وزارة الخارجية المشار إليه: الالتزام بالمبادئ وبناء الثقة والاهتمام بالتعاون وتنمية المصالح المشتركة، ولكن من دون تجاهل التباين الشديد في الرؤى بين مصر والسودان من ناحية، وإثيوبيا من ناحية أخرى.

ففي حين تتبنى مصر والسودان معيار «التقاسم بحسب الحاجة»، كمعيار عادل لتقاسم المياه، تتبنى إثيوبيا، ومعها دول المنابع، معياراً آخر يستند إلى عاملين هما: مساحة حوض النهر الذي يمر عبر أراضي كل دولة، وإسهام كل دولة في الإيراد المائي للنهر، وبالاستناد إلى العامل الأول (مساحة الحوض) تأتي السودان في المرتبة الأولى من حيث النصيب المفترض في مياه النيل وتليها إثيوبيا. وبالقياس إلى العامل الثاني (الإسهام المائي)، ينبغي أن تحصل إثيوبيا على النصيب الأكبر من المياه (هي دولة المنبع) في حين تأتي مصر في المؤخرة (هي دولة المصب).

هذه الخلافات وضعت البلدين في موقف المواجهة، وقراءة مصر لأوراق الضغط التي تملكها حتمت عليها استبعاد منهجية المواجهة وفضلت منهجية التعاون، وراهنت وما زالت تراهن عليها، والمخرجات المتوقعة للاجتماع القادم للجنة العليا المشتركة المقرر عقدها قريباً في القاهرة ستكون شاهداً على صحة هذا الرهان من عدمها.

نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى