تطورات عديدة في منطقة الشرق الأوسط تؤدي إلى عدم اليقين بالنسبة إلى أسعار النفط . دعوة رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي إلى إغلاق إمدادات النفط الكردية التي تمر إلى تركيا من خط جيهان بعد الاستفتاء الكردي، ستؤدي إذا وافقت تركيا عليها، إلى غياب أكثر من نصف مليون برميل في اليوم. فإقليم كردستان يصدّر عبر الخط التركي حوالى ٦٠٠ ألف برميل في اليوم يُباع جزء كبير منها إلى إسرائيل. لكن على رغم تهديدات تركيا بالإغلاق فإنها لم تنفذها بعد. فوزير الطاقة التركي هو صهر الرئيس أردوغان وله مصلحة في أن يبقى خط جيهان مفتوحاً. ولتركيا آلاف الشركات التي تستثمر وتعمل في كردستان، فليس من السهل على رغم التهديدات تنفيذ مثل هذا الطلب. كما أن الرئيس بوتين لعب دوراً كبيراً في تهدئة تركيا وإيران بالنسبة إلى إجراءات مقاطعة النفط الكردي. فكردستان تصدر كميات من النفط بالشاحنات إلى تركيا وإيران وتستورد أيضا مشتقات من إيران. ولا شك في أنه لو قطعت التجارة النفطية بين تركيا وكردستان فقد يؤثر ذلك في سوق النفط. إذ ما زال النفط الكردي يمر في الخط التركي، لكن عائداته قد تكون بقيت في البنوك التركية التي لم تدفعها لا إلى حكومة العراق ولا إلى كردستان.
أما الحدث الكبير المؤثر في السوق النفطية، فهو زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز روسيا ومباحثاته مع الرئيس بوتين. فالقطاع النفطي والتعاون الذي كان بدأ بين روسيا والسعودية لتخفيض إنتاج دول أوبك وخارجها، والذي منع انهيار أسعار النفط، تكلل بهذه الزيارة التي تشير إلى استمرار التعاون على صعيد النفط، كما قال الملك سلمان ووزير الطاقة السعودي خالد الفالح. فقد تكون هناك حاجة إلى استمرار تخفيض الإنتاج إلى ما بعد آذار (مارس) المقبل، فأسُس العمل المشترك على هذا الصعيد وُضعت عبر هذه الزيارة. والدولتان النفطيتان العملاقتان، السعودية وروسيا، أصبحتا شريكتين في التصدي لانهيار سعر النفط ومنعه من الوصول إلى مستويات سلبية لاقتصاديهما، في وجه استمرار زيادة النفط الأميركي، حتى أن أميركا سمحت بتصدير النفط بعد منعه، وقد بلغ تصديرها رقماً قياسياً وصل إلى ١,٩٨ مليون برميل في اليوم.
والتطور الآخر الذي من شأنه أن يؤثر في السوق النفطية، هو احتمال عودة العقوبات الأميركية على إيران، وهذا ما يخيف الشركات العالمية، خصوصاً الأوروبية، التي عادت إلى إيران، والتي تخشى دفع غرامات كما حصل مع بنك «باريبا»، الذي دفع سابقاً ٨ بلايين يورو، لأنها خرق الحظر الأميركي. والسؤال: هل تعود العقوبات الأميركية على إيران، وإذا حدث ذلك، هل تتبعها أوروبا التي تستورد ٢٥ في المئة من صادرات إيران التي تقدر بـ ٢,٢ مليون برميل في اليوم؟ فإدارة الرئيس ترامب عليها أن تقرر الأسبوع المقبل ما إذا كانت إيران ملتزمة الاتفاق النووي الموقع مع الأسرة الدولية عام 2015، إذا عادت العقوبات الأميركية سيعني ذلك غياب بضعة آلاف البراميل من النفط.
كل هذه التطورات تؤدي إلى عدم اليقين بالنسبة إلى سعر النفط، باستثناء أن التعاون السعودي- الروسي بالتأكيد ومهما حصل، سيمنعه من الانهيار على رغم وجود منافسة سعودية- روسية في أسواق النفط في آسيا، وخصوصاً الصين. فالشركات الأوروبية تراهن على عدم عودة العقوبات الأميركية، لكن لا أحد يعلم ما الذي سيقرره ترامب في النهاية.
إن سعر برميل «برنت» الأوروبي يتراوح حالياً بين ٥٥ و٥٧ دولاراً، تبعاً للتطورات والمستجدات السياسية وأيضا المناخية من أعاصير إلى اعتدال الحرارة. وقد يبقى سعر النفط عند المستويات الحالية، لأن المستقبل غير معروف بالنسبة إلى كل هذه التطورات.