اخترنا لكنون والقلم

المصالحة والملفات الشائكة!

بعيداً عن الصور الاحتفالية في غزة، وبهجة حضور حكومة الوفاق من رام الله، والترحيب الشعبي العارم بها لتسلم إدارة غزة من حكومة حماس، بدت العقبات أمام المصالحة أكبر مما كان يتصوره البعض. وتقدر أوساط فلسطينية الفترة التي تحتاج إليها أية حكومة لإزالة آثار الانقسام وتطبيق بنود اتفاق المصالحة بما لا يقل عن ثلاث سنوات من الزمن. فالملفات شائكة وتحتاج إلى وقت لإنجازها ووضع الحلول لها. وكانت حركة حماس تطالب بأنه بمجرد حل لجنتها الإدارية الحكومية فإن حكومة التوافق تتفضل وتتولى إدارة غزة وحل مشاكلها من كهرباء ومعابر ودفع رواتب موظفي حكومة حماس، لكن بنود المصالحة التي وقعت أولاً في القاهرة سنة 2009 لا تشير إلى ذلك فوراً ولم توقعها حماس بل وقعتها فتح منفردة مع أن بنودها كتبت بخط خالد مشعل.
لماذا كانت واشنطن تعارض المصالحة بالإضافة إلى «إسرائيل»؟ ولماذا كانت دمشق وطهران تعارضان أيضاً؟ الموقف «الإسرائيلي» ينبع من أن الانقسام يوفر ل«إسرائيل» مساحة سياسية للمناورة، حيث تلجأ إلى القول إن الفلسطينيين منقسمون ولا يوجد تمثيل فلسطيني موحد، وهذا أيضاً ما تمسك به الأمريكيون، أي أنهم كانوا في أية محادثات مع السلطة يثيرون مسألة ازدواجية التمثيل الفلسطيني. وعندما تقترب بوادر المصالحة يهددون بعدم الاعتراف بأية حكومة فلسطينية ناتجة عن المصالحة ووقف المساعدات عنها وإعادة النظر في التمثيل الفلسطيني لمنظمة التحرير في واشنطن. أما إيران فكانت تعتبر حماس ورقتها الفلسطينية، وتراهن عليها، وتعتبر المساعدات التي تقدمها لحماس استثماراً في الأمن القومي الإيراني.
حكومة الوفاق التي شكلت بهدف تنفيذ المصالحة تعثرت منذ البدء، وجرى شل حركتها في غزة، ومنعت من مغادرة الفندق الذي تقيم فيه، وانتهى دورها من أول غزوة لغزة، لكن الظروف الدولية تغيرت منذ سنة 2014، وسقط مشروع «الربيع العربي» الذي بدأ فعلياً في غزة بالانقسام، لأن جوهر المشروع المتفق عليه غربياً هو إسقاط الأنظمة العربية القائمة وتسليم الحكم تباعاً لجماعة «الإخوان». لكن الضربة القاصمة للمشروع جاءت في مصر بإنهاء حكم جماعة الإخوان، وتغير الوضع في المنطقة مع تدخل روسيا في سوريا، وتراجع الدور التركي أو انضمامه إلى تفاهم جدي مع روسيا، وبروز دور إيران بعد الاتفاق النووي. كل هذه العوامل جعلت حركة حماس تهبط إلى الواقع في غزة مع تقطع تحالفاتها وضعفها وتغير قيادتها خاصة في غزة. كما أن مصر ضاقت ذرعاً بتحول غزة إلى قاعدة خلفية للإرهاب، فكانت أمام خيارين إما التدخل مباشرة في غزة وضرب الأنفاق وبؤر الإرهاب هناك، وإما التفاهم مع القيادة الجديدة في حماس. بينما رأت السلطة في تشكيل حماس للجنة حكومية إدارية محاولة للانفصال، فأقدمت على إجراءات عقابية، منها اقتطاع نسبة من الميزانية المخصصة لغزة وتقدر بمليار ونصف المليار دولار سنوياً، فطالما أن هناك حكومة في غزة فعليها أن تتدبر أمور الصحة والتعليم والخدمات والكهرباء. وهذا الوضع زاد من تردي الوضع في غزة إنسانياً أيضاً، وألقت مصر بثقلها كاملاً ملتقطة اللحظة، ونجحت في إبرام تفاهمات أمنية مع القيادي الجديد لحماس الممثلة بيحيى السنوار، ووضعت حماس تحت الاختبار حتى الآن، وأثبت السنوار بعكس القيادات السابقة أنه جدي وأنه ينفذ ما وعد به مصر، وتراجع التأثير القطري – التركي على حماس.
مصر تحتاج إلى أمن على جبهتها الشرقية والقضاء على الإرهاب حتى تتفرغ للتنمية ولا تريد معارك خارجية أو داخلية تعرقل التنمية الضرورية للشعب المصري.
سعت مصر إلى إقناع واشنطن بأن المصالحة الفلسطينية ضرورية لتوحيد الصف الفلسطيني، باعتبار ما سيكون من طرح لما يسمى «صفقة القرن»، وأن معارضة ذلك من شأنه عرقلة الصفقة. وبهذه الظروف تم إنضاج إعادة إطلاق المصالحة الفلسطينية
لا أحد يعلم ما ستسفر عنه اللقاءات التي ستتواصل لاحقاً، لكن الاستعجال ليس حلاً والتأني في طرح الأفكار يحتاج إلى وقت، فمصالحة تسير ببطء أفضل من الوضع الحالي.

نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى