كما الثورة بالضبط وخطر اليوم الأول عليها بعد النجاح، هي المصالحة الفلسطينية، فالشارع الغزي ينتظر منذ عقد من الزمان انفراج الحال وعودة الامور الى سابق عهدها من كهرباء ورواتب وباقي القضايا المعيشية بعد المصالحة الوطنية، وتصريحات الرئيس محمود عباس الى الاعلام لا تشي بهذا التفاؤل، فالرئيس قال إن هذه الامور لا تأخذ صفة الاستعجال؛ ما يعني ان اليوم الاول بعد المصالحة لا يحمل فرقا عن اليوم السابق لها، وهنا مكمن الخطر عليها، فاذا كانت المصالحة لن تنعكس على حياة الناس المعيشية على الاقل فكيف ستحظى بثقتهم وكيف سيتعاملون مع تبعاتها السياسية والامنية والاجتماعية، طالما يحمل كل طرف موقفه الانقلابي، وطالما يراهن كل طرف على نتائج الانتخابات المقبلة ليمنح المواطن الغزي حقوقه بالحياة الكريمة ووصلة الكهرباء الحاملة لشحنة الامل .
احد عشر عاما من الضنك والمعاناة عاشها قطاع غزة، ولعل انفعالات الشاب الغزي خلال لقاء رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمدالله مع المجتمع المحلي الغزي، تختصر كل المصالحة في جملتها الختامية ( احدعشر سنة واحنا ماكلين هوا وبدون امل )، فماذا انتم فاعلون، ونحن نسأل بوعي ماذا ستفعل السلطة وحماس، لاعادة الامل ونبذ تبعات الانقلاب وغسل درن الاحقاد الناجمة عن الدم، فالانشغال بسؤال سلاح المقاومة على مشروعيته الكبيرة، ليس له الاولوية عند الشارع الغزي، الذي ينتظر الاجابة اولا عن الاجراءات العقابية التي طالت اهل القطاع من السلطة الفلسطينية ومن حركة حماس ومن الجوار العربي الذي مارس كل اشكال الضغط على القطاع واهله ؟ ويسأل عن خصومات الرواتب وانقطاعها تحت مبررات التجنح وسيطرة حماس على الكهرباء وباقي المبررات الاقتصادية التي تتلوها السلطة صباحا ومساءً .
اسئلة الشارع وعدم اذعان المحلل لفكرة التفاؤل البليدة، ستلقي الضوء على الواقع الغامض لمستقبل المصالحة وربط مخرجاتها على الناس بنتائج الانتخابات المقبلة، سواء لحسم السيادة على قطاع غزة أو حسم سؤال مواطنة اهلها وتبعيتهم للسلطة الفلسطينية في الحقوق والواجبات، فالسلطة ربطت كل الاجراءات القادمة بنتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة وكأن مواطنة اهل غزة معلقة على شرط الانتخابات وطريقة تفاعلهم مع الحركتين، فإن غامر الغزي في صوته لغير مرشح فتح فسيكون مواطنا مارقا، لا يستحق المواطنة وحقوقها، وكذلك ان منح صوته لمرشح فتح والسلطة فسيكون فاسقا، طبعا دون اغفال عنصر مهم غائب حتى اللحظة عن الحضور المعلن ولكنه حاضر في الكواليس وهو تيار فتح الدحلاني، الذي ينظر الى المصالحة بوصفها خطوة انقلابية على تفاهماته مع حماس وطبعا يحظى هذا التيار بحضور في غزة .
المصالحة الفلسطينية حتى اللحظة او ما رشح من سرعتها وتسارعها، هي استجابة فصائلية للخارج الفلسطيني، سواء العربي او العالمي والاقليمي، فالولايات المتحدة رفعت الفيتو عنها، ومصر مارست ضغطها ودورها بدليل دخول الحمدالله الى غزة مع وزير المخابرات المصرية وفريقه، وحتى حكومة الكيان صمتت عنها، لكنها حتى اللحظة لم تقدم المطلوب منها بوصفها استجابة وطنية للحالة الفلسطينية وخطوة اعتذارية للشعب الفلسطيني الحي والميت على حد سواء واعتذار للامة العربية والضمير الانساني الذي انحاز للقضية الفلسطينية، وهذا يجعل يومها الاول هو الاكثر صعوبة ولربما يكون عنصر تفجيرها الداخلي، مع كل ما تحمله هذه الاحتمالات من اثار تدميرية على المشهد الفلسطيني، فالنسخة الثانية من الانقلاب او الانفلات ستكون كارثية بكل المعاني .
ليس المطلوب من المحلل السياسي ارضاء الحالة العامة، كما ليس المطلوب منه تزيين المشهد، فالمصالحة لم تفرج عن خطوات تعكس تفاؤلا حتى اللحظة، بحكم ان حجم تنازل كل طرف عن مطالبه او بعض مطالبه ما زالت غائبة، وهذا التمترس كفيل بنسف اي مصالحة حتى لو بين جارتين وليس بين فصيلين رئيسين، قاما بالمصالحة تحت ضغط الاقليم وتحالفاته وتحت وطأة الاحتلال قبل كل ذلك، ولم يقوما بالخطوة لاحساس جمعي بقدسية الوحدة الفلسطينية وخدمة الشعب الفلسطيني، وللحديث بقية .
70 2 minutes read