بدأ مساء الجمعة الماضي فرض الحظر الجوي على إقليم كردستان العراق من قبل أطراف عدة، استجابة لطلب حكومة بغداد، ورفضاً للاستفتاء الذي أجراه الإقليم في الخامس والعشرين من الشهر الماضي.
وكانت أقوى المواقف تشدداً قد صدرت عن الحكومة التركية، التي طلبت من مواطنيها المقيمين في شمال العراق بمغادرة المنطقة قبل تعليق الرحلات الجوية، ودعت تركيا أربيل إلى تسليم المنافذ الحدودية والمطارات إلى الحكومة المركزية في بغداد.
وأعلن الرئيس أردوغان رفضه للاستفتاء قائلاً: «إن انفصال كردستان العراق أمر لن نسمح به.. وسنمنع تصدير النفط من الإقليم.. ولن نقبل بقيام دول إرهابية في سوريا وسندخل فجأة ذات ليلة لمنعها». وهو تهديد مباشر بالتدخل العسكري لإفشال قيام دولة كردية.
وكانت شركة مصر للطيران وشركة طيران الشرق الأوسط اللبناني قد علقتا رحلاتهما إلى أربيل، وعارض الاستفتاء كل من الولايات المتحدة وفرنسا وإيران والأمم المتحدة أيضا، باعتباره «سيزعزع استقرار المنطقة أكثر، ويصرف الانتباه عن الجهود الدولية المبذولة حاليا لمحاربة تنظيم «داعش».
وعلى صعيد النقابات، أكد الاتحاد العام للصحفيين العرب تضامنه مع الحكومة العراقية، ودعا المسؤولين في إقليم كردستان العراق إلى إلغاء استفتاء الانفصال.
وكان من الطبيعي أن ترفض حكومة إقليم كردستان العراق قرارات مجلس النواب العراقي، كما رفضت تسليم حقول النفط في كركوك إلى الحكومة الاتحادية، وأكدت أن القرارات، التي أصدرتها بغداد، غير دستورية وغير قانونية، وبخاصة قرار إغلاق المنافذ الجوية وحركة الطيران على الإقليم، إذ لا يمكن بأي شكل من الأشكال إقحام المطارات في الصراعات السياسية. وخشيت مديرة مطار أربيل تالار فائق صالح من تضرر الجالية الأجنبية من الحظر إضافة إلى أن عدداً كبيراً من اللاجئين يستخدمون المطار، وكنا دائماً نشكل جسراً بين سوريا والأمم المتحدة لإرسال المساعدات.
وتابعت: «كما أننا نستضيف قوات التحالف الدولي ضد داعش هنا، لذا فالمطار يستخدم لكل شيء».
كل ما تقدم يشير إلى أن إقليم كردستان بات تحت الحصار الجوي والبري، وأن الدول المحيطة بالإقليم مثل تركيا وإيران ومعهما حكومة بغداد، جادة في رفض الانفصال، وإقامة كيان كردي، وهددت كل من تركيا وإيران باتخاذ إجراءات تصل إلى العمل العسكري لإفشال الخطط الكردية، ولكل دولة من هاتين الدولتين أسبابها ومصالحها. ولكن، ماذا لو مضت «أربيل» في مخططها، وأعلنت الانفصال من جانب واحد، كأقصى خيار يمكن اتخاذه؟ في هذه الحالة، سيدخل الإقليم في حرب طاحنة مع الجيش العراقي والحشد الشعبي والجيش التركي، وربما الإيراني، وسيؤثر هذا الإجراء على محاربة القوات الكردية المدعومة أمريكيا لتنظيم «داعش».
فهل تسعى الولايات المتحدة إلى إشعال هذا النزاع، وإطالة الحرب على «داعش»، كما حدث في حربها مع القاعدة وطالبان في أفغانستان.
وإذا ما نشبت هذه الحرب، فإن صداها سيصل إلى سوريا وإيران وتركيا، وسينتفض الأكراد في كل مكان دعما لشعبهم، وعندئذ، سيكون أمام العرب حرب جديدة تضاف إلى محاربتهم للإرهاب، وهي حرب الأكراد، وهي حرب ستكون ملتبسة الأهداف، نظراً للتدخل الأمريكي الذي سيكون ضبابيا أيضا، ناهيك عن الدعم الذي سيتلقاه الإقليم من الكيان الصهيوني، الذي يتخذ موقفاً معاكساً لموقف دول المنطقة. الأمر الذي سيعيد المواجهة معه، وقد تتأجج نتيجة تضارب المصالح.
نرى أن السياسيين الأكراد لن يغامروا في الانفصال من جانب واحد، فهم يقرؤون الخارطة السياسية بشكل جيد، ولهذا، فإنهم يعلنون انفتاحهم على الحوار، ويريدون أن يكونوا شركاء في الحكم في العراق، وأن يعيشوا في دولة اتحادية وليست وحدوية، أي يمكن أن يقبلوا بنوع من الحكم الذاتي مبدئياً، قد يضمرون تطويره فيما بعد حين تواتيهم الظروف، ولهذا، فإن شبه الإجماع الذي تحقق من قبل دول كثيرة، ولاسيما الدول المحيطة بالإقليم، رافضاً الإجراء الكردي، يعطي رسالة واضحة تشير إلى أن قيام دولة كردية في شمال العراق سيكون معقداً وصعب المنال، ولهذا سيتريث الأكراد قبل اتخاذهم أي قرار، لكن هذا التريث لن يلغي طموحهم في إقامة كيان كردي في المنطقة العربية، والذي لن يكون منسجماً مع محيطه بسبب علاقاته المحتملة مع «إسرائيل».