وصلت التهديدات المتبادلة بين الرئيس الأميركي ترامب وزعيم كوريا الشمالية «كيم جونغ أون» إلى ذروتها بإعلان الرئيس الأميركي أن واشنطن سوف تواجه استفزازات الرئيس الكوري بالغضب والنار بصورة لم يشهد لها العالم مثيلاً! بينما اتهم الرئيس الكوري ترامب بأنه يعيش في حالة غيبوبة لا يدرك معها أن صواريخ كوريا الشمالية يمكن أن تصيب أهدافها المنشودة على أرض الولايات المتحدة ذاتها، بما يشير إلى أن العالم ربما يكون على شفا حرب عالمية ثالثة يجرى فيها استخدام السلاح النووي على نطاق واسع!
ترامب لا يكتفي بتهديد «الغضب والنار» الذي أطلقه في بداية الأزمة وإنما يزيد عليه مستخدماً لغة أكثر عدواناً وخشونة تؤكد أن القوات الأميركية المسلحة جاهزة لتنفيذ الأوامر وأن الحل العسكري مطروح بقوة، وأن واشنطن لا تزال على إصرارها في فرض عقوبات جديدة على كوريا، بينما يؤكد الرئيس الكوري قدرة بلاده على تدمير الإمبراطورية الأميركية ويعلن أنه جاهز لإطلاق مجموعة من الصواريخ تمر فوق سماء اليابان لتسقط على مسافة 30 كيلومتراً من القاعدة الأميركية «جوام» كبرى القواعد الأميركية خارج الولايات المتحدة، تقبع فوق جزيرة أميركية وسط المحيط الهادي وتشكل أقرب نقطة تهديد للخليج الكوري.
وإذا صح أن تهديدات الرئيس الأميركي جاءت رداً على استمرار كوريا الشمالية في تجاربها النووية والصاروخية التي أكدت حقيقتين أساسيتين، أولاهما نجاح كوريا الشمالية في تقليل حجم ووزن قنبلتها النووية بما يمكن الصواريخ الكورية من حملها إلى أهداف بعيدة، وثانيتهما أن كوريا الشمالية نجحت أخيراً في إنتاج صواريخ عابرة للقارات يصل مداها إلى بضعة آلاف من الأميال يمكن أن تضرب على سبيل المثال مدينتي سياتل وسان فرانسيسكو، كما تملك كوريا قدرة صاروخية تمكنها من أن تضرب أي هدف في كل من كوريا الجنوبية واليابان.
فإن الصحيح أيضاً أن وزير خارجية أميركا ريكس تيلرسون كان قد حقق في مؤتمر الأمن الذي انعقد في الفلبين إنجازاً مهماً كفيلاً بأن يهدئ غضب ترامب ويطفئ ناره، عندما تمكن تيلرسون من إقناع كل من الصين وروسيا الحليفتين الأساسيتين لكوريا الشمالية بأن ينضما إلى قائمة العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على كوريا الشمالية والتي تمثلت في فرض المزيد من القيود على صادراتها من الفحم والحديد والمنسوجات لإضعاف مواردها المالية، وهذا في حد ذاته إنجاز مهم يمثل ضغطاً شديداً على الرئيس الكوري شاركت فيه كل من روسيا والصين ربما يفسده تهديدات ترامب وتغريداته على تويتر التي غالباً ما يسيطر عليها الرغبة في استعراض القوة بصرف النظر عن جدواها الحقيقية، وما زاد من حجم المفارقة بين مواقف الرئيس ترامب المتشددة تجاه كوريا الشمالية ومواقف أعضاء إدارته الأكثر اعتدالاً، انحياز وزير دفاعه جيمس ماتيس إلى الحل الدبلوماسي بدلاً من التهديد باستخدام القوة بما ساعد على قسمة الرأي العام الأميركي إلى أغلبية ترفض تهديدات ترامب وتعلن رغبتها في حماية الولايات من تهديداته التي يمكن أن تشعل حرباً نووية بسبب سوء التقدير وأقلية تنحاز إلى مواقف ترامب الاستعراضية التي لا تساعد كثيراً على بناء هيبة الولايات الممكن.
لا نرى على الساحة الكورية صوتاً آخر سوى صوت الزعيم كيم الذي لا يعرف العالم عنه شيئاً سوى أن والده قلده وهو في الثامنة من عمره رتبة جنرال في القوات المسلحة الكورية، يصدر الأوامر للجميع ولا يستطيع أحد أن يعصي له أمراً، بما جعل منه شخصية غير طبيعية يصعب التنبؤ بتصرفاتها كما يصعب حتى أن يتخيل أحد صورة له ترسم طباعه وملامحه الشخصية، وإن كان قد عرف عنه القسوة البالغة التي طالت أخاه وعمه وكل من تطوله شبهة أنه غير راض عن بعض قراراته!
وفي الوقت الذي تنشر فيه اليابان شبكة صواريخ مضادة استعداداً لهجوم كوري متوقع، وتؤكد صور الأقمار الصناعية أن الاستعدادات تجري بالفعل لإطلاق صواريخ على قاعدة «جوام» الأميركية من غواصة كورية، وتعلن كوريا أن ثلاثة ملايين كوري تطوعوا للقتال إلى أن تتلاشى الإمبراطورية الأميركية! يؤكد المراقبون أن الأزمة الكورية لم تبلغ بعد ذروتها.
ولأن كلاً من الرئيسين ترامب وكيم جونغ يؤكد أنه جاهز بخياره العسكري، يتنفس العالم قلقاً متصاعداً في انتظار أي منهما سوف يتراجع أولاً، وما هو ثمن التراجع بعد أن ركب الاثنان أعلى الشجرة، وعلى حين أعلنت الصين أنها سوف تقف على الحياد إن بدأت كوريا بالعدوان، لكنها سوف تقف إلى جوار كوريا إن بدأ الأميركيون الضربة الأولى، وأعلنت موسكو أنها تقف على مسافة واحدة من الجانبين تدينهما وتطلب منهما إفساح الفرصة للتفاوض، بينما تؤكد المستشارة الألمانية ميركل باسم الاتحاد الأوروبي أن التصعيد هو الاستجابة الخاطئة، وأكثر ما يقلق في هذه الحرب الكلامية التي لا تزال على أشدها أن يقع أي من الطرفين في خطأ الحساب وسوء التقدير ليجد العالم نفسه في غمار حرب عالمية ثالثة يمكن أن تطلق السلاح النووي من عقاله، بسبب زعيمين يتنافسان ويتوافقان على غطرسة القوة رغم خلافاتهما الشاسعة عمراً وتاريخاً ونشأة.