اخترنا لكنون والقلم

مستقبل كردستان

استكمالاً للحديث عن استفتاء أكراد العراق، حول الانفصال، الذي جرى في الخامس والعشرين من أيلول سبتمبر 2017، من الحري العودة للتأكيد على أن هذه الخطوة لا تخدم أي من الفرقاء في المنطقة أو خارجها. هذا ما قلنا به قبل الاستفتاء، وهو رأينا بعده أيضاً.

قلت في الأسبوع الماضي، إنني أتحدث عن كردستان بصفتي صديقاً للأكراد، قبل كوني كاتباً أو محللاً.

يعتبر واقع كردستان العراق، منذ حرب الخليج الثانية، أقرب إلى الدولة المستقلة منه إلى الإقليم الفيدرالي. وبعد سقوط حكومة الرئيس العراقي، صدام حسين، وارتكازاً إلى دستور 2005، أصبح العراق دولة فيدرالية، وبات إقليم كردستان الإقليم الفيدرالي الوحيد فيها. ووفقاً لهذا الدستور، منح الأكراد وضعاً متقدماً على مستوى الصلاحيات، لا نظير له في أية دولة فيدرالية أخرى في العالم، بما في ذلك الهند والولايات المتحدة الأميركية. وهل هذا وضع فيدرالي أم كونفدرالية معدل؟ يُمكن لأي محلل أن يطرح على نفسه هذا السؤال.

هذا الوضع، أتاح للأكراد جل ما يفترض أن يحصلوا عليه، دون أن يحملهم أعباء دولة مستقلة يجري إقامتها من جانب واحد. وأي تحليل أولي سيقود صاحبه لهذا الاستنتاج.

المصالح العليا للأمم لا ترتبط دائماً بالشكل بل بالمضمون، ولا اعتقد أن أحداً يختلف في ذلك.

المطلوب الآن الابتعاد عن سياسة الحافة (حافة الهاوية)، لأنها قد تأخذ المنطقة برمتها إلى وضع خارج سيطرة الجميع. في الأصل، فإن استفتاء كردستان لا يُمكن البناء عليه إلا بمصادقة الهيئات الدستورية ذات الصلة داخل العراق. وما دام هذا لم يحدث، فقد يكون البديل الواقعي هو دخول أربيل وبغداد في مفاوضات طويلة لتصويب ما يبدو خللاً بالنسبة للأكراد، وعدم الدوران حول الاستفتاء نفسه.

في الوضع الراهن، هذه المفاوضات لا يبدو ثمة أفق لها، إلا أن هذا لا يجوز أن يغدو سبباً لليأس. وفي وضع كهذا، لا بد من التحلي بالنفس الطويل.

الأمر الأكثر مغزى، يرتبط بالتبعات الإقليمية، وهي تبعات عميقة على ما يبدو الآن.

الأمر هنا، خرج من نطاقه العراقي، وباتت مقاربته أكثر تعقيداً، إن بالنسبة للأكراد أو المجتمع الدولي عامة.

بالطبع، يُمكن توّقع وساطات دبلوماسية، أو بالأصح مضاعفة المساعي الرامية لتطويق التبعات، بعد أن استحالت منع الاستفتاء ذاته.

من وجهة نظري، فإن أية دولة لديها رؤية يُمكن أن تساعد على الحد من الاحتقان الراهن، عليها أن تبادر للحديث مع أربيل وبغداد، لأن المفاوضات الثنائية انتهت، ومن الصعب استئنافها في ظل المواقف الراهنة.

بالطبع، هناك قضايا عالقة، فاقمت التوترات، وهناك مشكلات على أكثر من صعيد، الجميع يعرفها، وهذه جميعها قد تكون قضايا ضاغطة، إلا أن الصبر عليها، ريثما تجد حلاً مجمعاً عليه، يُعد أقل ضرراً من تبعات الاستفتاء بالنسبة لعامة من يقطنون كردستان، ونحن هنا نتحدث عن تداعيات اقتصادية وقانونية بدأت منذ الآن.

إذا كنت في إقليم فيدرالي الصفة، منفتحاً على العالم بأكمله، فهذا خير لك من أن تكون في دولة محاصرة. وربما هناك بين الأصدقاء الأكراد من لا يتخيل الآن، على نحو كامل، ما الذي يعنيه مثل هذا الحصار، إلا أن العراقيين أنفسهم لديهم تجربة ما بعد حرب الخليج الثانية، واعتقد أن دروسها واضحة، على الرغم من إننا نتحدث في سياق مغاير، وربما تكون تبعات الاستفتاء أكثر وقعاً من عقوبات الأمم المتحدة على عراق ما بعد حرب الخليج الثانية.

هذا الشرق، فيه من الأزمات ما يفوق طاقته، وإضافة أزمة جديدة تعني زيادة الوضع تعقيداً. والعبرة في التحلي بالصبر والتزام الواقعية في مقاربة القضايا المختلفة.

نقلا عن صحيفة الرياض

أخبار ذات صلة

Back to top button