في كواليس كردستان العليا تدور همسات بين الأتباع، حيث غالبيتهم لا يعرفون الأسباب الفعلية التي جعلت مسعود برزاني يتخذ خطوة الاستفتاء، واعتبرها بعضهم أقرب إلى الوقوف على حافة الهاوية، وقد تجلب الويلات على الشعب الكردي الذي لم يضمد جراحه من الكيماوي والمذابح و«داعش» بعد.
الهمسات تحولت إلى «وشوشات» حتى تردد صداها، خاصة بعد أن قال البرزاني إنه يقدم على مجازفة، وذلك في خطابه السابق للاستفتاء، والمجازفة إما أن تكون تهوراً غير محسوب، وإما أن تكون هروباً من شيء أعظم مما سيترتب على تلك الخطوة أو المجازفة.
وبحث الجميع عن إيران وأتباعها.
فمن يستمع إلى خطاب برزاني في اليوم التالي للاستفتاء، سيجد إيران تطل من بين كلماته وأسبابه ومواقفه، فقد طلب أولاً من رئيس الوزراء حيدر العبادي أن يقرأ بتمعن تاريخ العلاقات بين الأكراد والحكومات منذ سقوط نظام صدام، ثم تطرق إلى التحالف الكردي الشيعي بصريح العبارة، ورغم أن هذا التحالف لم يكن خافياً على العراقيين وكل المتابعين للشأن العراقي، كان لوقعه وهو يخرج من على لسان البرزاني تأثير كبير على السامعين، لحظة أن قال: «أنتم قلتم لا نريدكم.. انتهى التحالف الكردي الشيعي»، وأنتم هذه لا تعني العبادي، بل حزب إيران المسيطر على مفاصل العراق، بقيادته التي حكمت البلاد علناً وسراً، ابتداء من المرجعيات وانتهاء بالحرس الثوري ومروراً بالمالكي والجعفري والحكيم وفيلق بدر وما نتج عنهم جميعاً من ميليشيات وحشود، هؤلاء هم الذين تحالف معهم برزاني، ومنحهم الأغلبية في الشارع وفي البرلمان، وفي صياغة الدستور، وفي تحديد هوية الحكم، وفي سحق المكونات الأخرى وعلى رأسها أهل السنة، أولئك الذين أصبحوا أقلية بعد أن تنكر لهم الأكراد، وقد احتاج برزاني إلى 14 سنة حتى يفهم، ويقال إن ما حدث للمخلوع عن عرش اليمن علي عبدالله صالح كان جرس التنبيه الذي رن في رأسه، وأحس بأن ساعته قد اقتربت، خاصة أن «داعش» في مرحلة الموت السريري، وبعدها سيكون وجهاً لوجه أمام الإيرانيين بعد أن استنفدوا كل وسائل الاستغلال معه.
يقول الهامسون في «وشوشاتهم» المسموعة، إن مسعود البرزاني اختار سياسة «الضربة الاستباقية» حتى يجبر الآخرين على التفاوض معه وليس على الانفصال، وقد نصدق ذلك، وبالتحديد في الجانب المتعلق بإيران وتخليها عن الذين يتحالفون معها، ولكن الجانب المظلم في تاريخ البرزاني أباً وابناً سيبقى ماثلاً أمامنا، والأيام المقبلة كفيلة بكشف الكثير من المستور.