لم يكن من قبيل المصادفة أن تتزامن تصريحات الزعيم الكردي مسعود البرزاني، عن إجراء استفتاء حول استقلال إقليم كردستان، مع البيان الرسمي لنتنياهو رئيس وزراء «إسرائيل»، تأييداً لاستقلال كردستان، وكذلك – وبصورة عكسية – مع ظهور أردوغان رئيس تركيا مع الجنرال محمد حسين باغري رئيس أركان الجيش الإيراني، في مؤتمر يعلنان فيه رفضهما الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان.
ويبدو من تتابع الأحداث أن البرزاني، الذي واجه رفضاً عربياً عاماً لاستقلال الإقليم، فضلاً عن رفض دولي، شمل -حتى الآن- الولايات المتحدة، وبريطانيا، إلى جانب دول غربية عديدة، قد فضل أن يستند إلى «إسرائيل» كطرف له نفوذه في دوائر صناعة القرار في واشنطن.
والحقيقة أن هذا التفكير ليس جديداً؛ لكن سبقته ترتيبات مع «إسرائيل»، كانت قد نشرت عنها تفصيلاً، مجلة «نيويوركر» ذات المصداقية في الولايات المتحدة، عن أن قادة إقليم كردستان سمحوا عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، بخلق تواجد «إسرائيلي» في أراضيهم، متضمناً وحدات مخابراتية ومعلوماتية. إضافة إلى ما تم من زيارات متبادلة بين «إسرائيل» وكردستان. ثم ما نشر في الأيام الأخيرة في «إسرائيل» – على حد قول مصادرهم – من أن البرزاني توصل إلى اتفاق مع الحكومة «الإسرائيلية» لتوطين 200 ألف «إسرائيلي» يهودي من أصل كردي في الإقليم، بعد الاستفتاء على الانفصال عن العراق.
وعلى النقيض من ذلك، كان الموقف التركي- الإيراني المشترك، الذي فسره المتابعون على أنه مؤشر على التعقيدات التي ستلحق بقرار الانفصال من جانب الدولتين، تخشى كل منهما أن يكون ما سيجري في الإقليم حافزاً للأقليات الكردية في كل منهما، على أن تحذو حذو أكراد العراق.
والمعروف أن عدد الأكراد في منطقة الشرق الأوسط، يبلغ 35 مليون نسمة، وهم موزعون بين العراق، وتركيا، وإيران، وسوريا، بوصفهم أكبر قومية في العالم من دون دولة.
وهم لكونهم يشكلون قومية واحدة، لها لغة، وتاريخ، وثقافة مشتركة، تخصهم، فلم يغب من بالهم يوماً حلم التلاقي في إطار دولة كردية واحدة.
لكن المشكلة ليست في شرعية هذا الحلم؛ بل إنها تتمثل في رد الفعل الذي سوف يحدث من جانب كل من هذه الدول، بطريقة قد تشعل صراعات مسلحة وحروباً، وتؤثر سلباً في جبهة الحرب ضد الإرهاب. وهنا يقفز السؤال: هل الوقت مناسب لقرار الانفصال؟
والجانب الثاني للمشكلة يتمثل في ما سيلحق بهذه الخطوة من تشجيع خطوات أخرى انفصالية، مدفوعة بخطط سابقة لقوى خارجية، لتفتيت دول المنطقة من داخلها، وهو ما قد يشعل أيضاً صراعات، ويدفع إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار.
لقد ظل موقف الولايات المتحدة غامضاً، أو لنقل متردداً؛ نظراً للعلاقة التي توطدت بين واشنطن وإقليم كردستان العراق، منذ ما بعد غزو صدام للكويت عام 1990، وتأييدها للحكم الذاتي للإقليم. وما أوضحته واشنطن من أنها تعتبر أكراد العراق بقيادة البرزاني، أكبر حليف للغرب يعتمد عليه في الشرق الأوسط.
وبعد التردد، حسم الموقف الأمريكي وزير الدفاع جيمس ماتيس، بلقائه مع مسعود البرزاني، وحثه على تأجيل الاستفتاء.
إن وجهة النظر السائدة عالمياً – بصرف النظر عن نظرتها للموقف دون تحيز، سواء لاستقلال الإقليم، أو رفضه، تتفق على أن مثل هذا القرار يتجاوز حدود الأمان، إلى مرحلة الخطر، لو أنه لم يستوعب العواقب التي يمكن أن تترتب عليه، وألا يكون منجذباً إلى إغراء قوى خارجية، لها هي أولاً وقبل غيرها، مصلحة في تفتيت دولة العراق، وفي إدخال الأكراد في الشرق الأوسط، في دوامة من المشاكل التي لا يمكن التوقع بنتائجها. فهذا قرار مصيري يفرض على متخذيه، قبل اتخاذه، دراسة كافة الأبعاد الحالية والمستقبلية له.
61 2 minutes read