سؤال يلح على الخاطر، بعد أن اصطفت الطوابير، وصوّتت الجموع من المؤيدين والمغصوبين، وكادت الأعداد تصل إلى الرقم التراثي للعالم الثالث، ولكن الحياء منع المشرفين على ديمقراطية كردستان من المبالغة، وفي ساعة أخيرة هي فترة التمديد، ارتفع عدد المشاركين في الاستفتاء من 50 في المئة إلى 80 في المئة، ولم يصل إلى 99 في المئة التي نحبها كثيراً.
رئيس ديوان الرئاسة الكردي قال لا تتحدثوا عن الاستفتاء فقد أصبح أمراً واقعاً لا يمكن إلغاؤه أو تغييره أو نكرانه، ولم يجب عن السؤال، ماذا بعد؟ تماماً كما فعل رئيس الإقليم مسعود برزاني عندما راهن على الوقت ورفض الخوض في السيناريوهات المحتملة.
كل الذين تحدثوا يوم أول من أمس، يوم الاستفتاء، أو يوم أمس حيث أعلنت النتيجة المتوقعة سلفاً، أقول لكم، كلهم كانوا يحاولون تخفيف لهجة التصعيد رغم وقوفهم في شوارع أربيل والسليمانية، لم يتحدّ أحد منهم العبادي مباشرة، ولم يردوا على استعدادات أردوغان التي وصلت إلى حشد الجيش التركي عند حدود كردستان، ورفعوا راية المفاوضات على مستقبل العلاقة بين الإقليم والدولة الأم.
ونعود ونسأل ماذا بعد؟
المناطق غير الكردية، التي ليست ضمن الإقليم المتعارف عليه، هي الشرارة، فإن اشتعلت احترق الأخضر واليابس في العراق، فهذه مناطق محتلة من «البشمركة» خلال تحرير الأراضي من «داعش»، وقلت يومها إن الأكراد لن يخرجوا من كركوك، ولن يسلموها ومعها مناطق النفط إلى الحكومة المركزية أو الجيش العراقي، وكان ذلك قبل عدة أشهر، حيث قامت ميليشيا الكرد بالاندفاع نحو تلك المناطق وأحدثت أمراً واقعاً غفل عنه الجميع، حتى تنبه مجلس النواب العراقي يوم الاستفتاء إليها وطالب الحكومة باستعادتها.
الخطوة الخاطئة، والتصرف المنفرد، والاعتداء على الدستور، وسلب حقوق الآخرين، واتخاذ قرارات تمزق الدولة، هذه التصرفات كلها لا تنتج أمراً واقعاً تترتب عليه حقوق تاريخية، والغرور لا يقيم دولاً، وحروب العصابات التي يتفاخر بها الأكراد تختلف عن المواجهات العسكرية المباشرة، وسواء أكانت حكومة بغداد الحالية جادة في رفض الخطوات الكردية الانفصالية ومواجهتها، أم لم تكن كذلك، فإن الحال لا يبقى على ما هو عليه، والعراق هو العراق بعربه وكرده ومذاهبه وطوائفه وقومياته، أرض واحدة لشعب واحد، وهؤلاء هم الذين سيجيبون عن سؤالنا، ويقولون لنا ماذا بعد؟