في المقال السابق أشرنا إلى استحالة قيام الدولة الكردية، في شمال العراق، ما لم تحظ بموافقة دول الجوار، وأن من شأن إعلان قيام هذه الدولة المستقلة، فرض حصار بري وجوي عليها من قبل تركيا وإيران وسوريا، والمركز في العراق. إن قيام هذه الدولة، هو رهن لتوافقات إقليمية، ليست متوفرة. وأشرنا إلى أن مسعود البرزاني رئيس الحكم الذاتي في المناطق الكردية، على وعي بهذه الحقيقة. والسؤال المطروح، هو لماذا، إذاً، أقدم على اتخاذ قرار الاستفتاء؟
واقع الحال، أن العملية السياسية التي دشنها المحتل الأمريكي، في العراق عام 2003 قد وضعت المقدمات لمثل هذه الخطوة. فالفيدرالية، بالشكل الذي نفذت فيه، قسمت العراق، إلى محاصصات بين الطوائف والأقليات، وذلك في الأساس، خروج على مفهوم المواطنة.
هناك فيدراليات في الدول الكبرى، كما في روسيا الاتحادية، والولايات المتحدة، مصنفة على أساس الجغرافيا، وليس على أساس الانتماء الإثني والديني. إن ذلك يعني أن من حق المواطن، في هذا النوع من النظم، وبغض النظر عن هويته المذهبية، أو الدينية، أو الإثنية، حق الانتقال والعيش بحرية، والعمل والتمتع بكافة الحقوق، فوق ترابه الوطني.
على هذا الأساس، فإن إقامة الفيدرالية، بالاستناد إلى المحاصصة هو خروج على السياقات المعروفة للنظم الفيدرالية، وهو فرض الانفصال، بقوة الأمر الواقع. والأكراد واقعياً، باتوا مستقلين، منذ دشنت عملية المحاصصة. وما أعاق الإعلان عن الانفصال هو الجوار الإقليمي الذي يرى في وجود دولة كردية مستقلة بجواره تهديداً حقيقياً لأمنه القومي.
لماذا اختيار هذا الوقت لإعلان الاستفتاء، ولماذا غامر البرزاني باتخاذه؟
بالعودة إلى تصريحات البرزاني، حول هدف الاستفتاء، يمكننا أن نصل إلى قراءة منطقية لأهدافه الحقيقية. لقد قال إن الاستفتاء لا يعني الانفصال، ولكن نتائجه ستكون ورقة للتفاوض مع بغداد، من موقع قوي.
المواضيع المتنازع عليها بين الحكومة المركزية، وحكومة كردستان، تختزل في موضوعين رئيسيين، هما زيادة حصة الشمال من عوائد النفط، والثاني، هو ضم كركوك، المدينة النفطية، لحكومة كردستان. وذلك يعني أن البرزاني يطمح إلى زيادة مكتسباته، على حساب مصلحة العراق كله.
وبالنسبة لحكومة المركز، لا يمكن للثروة النفطية أن تكون خاضعة لمنطق المحاصصة، والعملية السياسية التي بنيت عليها. إن تطبيق ذلك يعني إفلاس خزينتها، وعدم تمكنها من توفير مستلزمات إدارة الدولة. وبالنسبة لكركوك كانت دائماً أرضاً عربية، بأغلبية سكانية عربية وتركمانية. وقد مارس الأكراد فيها بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 سياسة الصهاينة في فلسطين، من حيث تكثيف الهجرة الكردية إلى كركوك، بحيث تضاعف عدد السكان الأكراد في المدينة مرات عدة، وبات الأكراد الآن يشكلون أغلبية السكان فيها. لكن ذلك لا يغير من الواقع التاريخي للمدينة.
يراهن الأكراد كثيراً على ضعف الحكومة المركزية التي تعاون أفرادها مع الاحتلال، وشاركوا في جريمة حل الجيش العراقي، ما ترك فراغاً حقيقياً في جدار الأمن القومي لهذا البلد العريق. ويراهنون أيضاً على عقد صفقات مجزية مع الأكراد، لأنه من دون عقد هذه الصفقات، لن يكون بمقدورهم تصدير النفط، من مناطقهم، إلى الخارج.
الأتراك والإيرانيون، يتخذون الآن موقفاً متشدداً تجاه انفصال الأكراد عن العراق، لكنهم بالتأكيد، لن يقفوا حجر عثرة في طريق أي اتفاق بين حكومة بغداد والبرزاني، وهو اتفاق إن حدث سيكون مؤكداً لمصلحة الأخير. وهو اتفاق إن حدث سيكون خطوة أخرى على طريق تحقيق انفصال الأكراد عن العراق. وسوف يعمل كليهما على الحصول على مكتسبات اقتصادية منه.
فالمنطقة الشمالية، كما أشرنا في الحديث السابق، محاصرة من كل الجهات، ولن يكون بمقدورها العيش إلا بالتعامل الاقتصادي، مع القوتين الإقليميتين، ليس لتمكينها من تصدير النفط فقط، بل وأيضاً لاستيراد مستلزمات المنطقة الشمالية كافة، في كل المجالات.
الأوراق التي تملكها حكومة بغداد الآن تتمثل في الموقف الإقليمي والدولي والعربي المعلن، الرافض لقيام دولة كردية، والداعم لوحدة الأراضي العراقية، وأيضاً موقف أغلبية الشعب العراقي، الرافض لانفصال جزء حيوي من أراضيه. لكن هذه الأوراق، على الأقل إقليمياً ودولياً، ليست ثابتة، وهي خاضعة، لقانون المصالح، شأنها في ذلك شأن الكثير من العناصر التي تحكم العلاقات بين الدول. والتنسيق بين القادة العرب، حيال كثير من القضايا القومية والمصيرية، في أدني مستوياته الآن.
هل ستستثمر الحكومة العراقية الأوراق التي بيدها لمنع انفصال الأكراد، والحفاظ على ثروة العراق، وجغرافيته؟ وهل سيكون موقفها حاسماً تجاه رفض ضم مدينة كركوك إلى المناطق الكردية؟ ذلك أمر لا يمكن الجزم به في ظل ضعف الحكومة المركزية، وتبعيتها للخارج، وأيضاً بسبب التفسخ والفساد المستشري في أجهزتها، وعدم وجود جيش عراقي قوي. ولذلك فإننا نضع احتمال تسليم الحكومة المركزية بمطالب الأكراد، والتفريط بالثروة وبكركوك. وإلا فما الذي يدعوها إلى الحوار والوعود بتقديم بعض التنازلات، لو لم تكن في موقف الضعف؟
الأيام القادمة حبلى بأحداث كبرى في أرض السواد، لا يبدو حتى الآن أنها ستكون في مصلحة الشعب العراقي. وليس علينا سوى الانتظار.
واقع الحال، أن العملية السياسية التي دشنها المحتل الأمريكي، في العراق عام 2003 قد وضعت المقدمات لمثل هذه الخطوة. فالفيدرالية، بالشكل الذي نفذت فيه، قسمت العراق، إلى محاصصات بين الطوائف والأقليات، وذلك في الأساس، خروج على مفهوم المواطنة.
هناك فيدراليات في الدول الكبرى، كما في روسيا الاتحادية، والولايات المتحدة، مصنفة على أساس الجغرافيا، وليس على أساس الانتماء الإثني والديني. إن ذلك يعني أن من حق المواطن، في هذا النوع من النظم، وبغض النظر عن هويته المذهبية، أو الدينية، أو الإثنية، حق الانتقال والعيش بحرية، والعمل والتمتع بكافة الحقوق، فوق ترابه الوطني.
على هذا الأساس، فإن إقامة الفيدرالية، بالاستناد إلى المحاصصة هو خروج على السياقات المعروفة للنظم الفيدرالية، وهو فرض الانفصال، بقوة الأمر الواقع. والأكراد واقعياً، باتوا مستقلين، منذ دشنت عملية المحاصصة. وما أعاق الإعلان عن الانفصال هو الجوار الإقليمي الذي يرى في وجود دولة كردية مستقلة بجواره تهديداً حقيقياً لأمنه القومي.
لماذا اختيار هذا الوقت لإعلان الاستفتاء، ولماذا غامر البرزاني باتخاذه؟
بالعودة إلى تصريحات البرزاني، حول هدف الاستفتاء، يمكننا أن نصل إلى قراءة منطقية لأهدافه الحقيقية. لقد قال إن الاستفتاء لا يعني الانفصال، ولكن نتائجه ستكون ورقة للتفاوض مع بغداد، من موقع قوي.
المواضيع المتنازع عليها بين الحكومة المركزية، وحكومة كردستان، تختزل في موضوعين رئيسيين، هما زيادة حصة الشمال من عوائد النفط، والثاني، هو ضم كركوك، المدينة النفطية، لحكومة كردستان. وذلك يعني أن البرزاني يطمح إلى زيادة مكتسباته، على حساب مصلحة العراق كله.
وبالنسبة لحكومة المركز، لا يمكن للثروة النفطية أن تكون خاضعة لمنطق المحاصصة، والعملية السياسية التي بنيت عليها. إن تطبيق ذلك يعني إفلاس خزينتها، وعدم تمكنها من توفير مستلزمات إدارة الدولة. وبالنسبة لكركوك كانت دائماً أرضاً عربية، بأغلبية سكانية عربية وتركمانية. وقد مارس الأكراد فيها بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 سياسة الصهاينة في فلسطين، من حيث تكثيف الهجرة الكردية إلى كركوك، بحيث تضاعف عدد السكان الأكراد في المدينة مرات عدة، وبات الأكراد الآن يشكلون أغلبية السكان فيها. لكن ذلك لا يغير من الواقع التاريخي للمدينة.
يراهن الأكراد كثيراً على ضعف الحكومة المركزية التي تعاون أفرادها مع الاحتلال، وشاركوا في جريمة حل الجيش العراقي، ما ترك فراغاً حقيقياً في جدار الأمن القومي لهذا البلد العريق. ويراهنون أيضاً على عقد صفقات مجزية مع الأكراد، لأنه من دون عقد هذه الصفقات، لن يكون بمقدورهم تصدير النفط، من مناطقهم، إلى الخارج.
الأتراك والإيرانيون، يتخذون الآن موقفاً متشدداً تجاه انفصال الأكراد عن العراق، لكنهم بالتأكيد، لن يقفوا حجر عثرة في طريق أي اتفاق بين حكومة بغداد والبرزاني، وهو اتفاق إن حدث سيكون مؤكداً لمصلحة الأخير. وهو اتفاق إن حدث سيكون خطوة أخرى على طريق تحقيق انفصال الأكراد عن العراق. وسوف يعمل كليهما على الحصول على مكتسبات اقتصادية منه.
فالمنطقة الشمالية، كما أشرنا في الحديث السابق، محاصرة من كل الجهات، ولن يكون بمقدورها العيش إلا بالتعامل الاقتصادي، مع القوتين الإقليميتين، ليس لتمكينها من تصدير النفط فقط، بل وأيضاً لاستيراد مستلزمات المنطقة الشمالية كافة، في كل المجالات.
الأوراق التي تملكها حكومة بغداد الآن تتمثل في الموقف الإقليمي والدولي والعربي المعلن، الرافض لقيام دولة كردية، والداعم لوحدة الأراضي العراقية، وأيضاً موقف أغلبية الشعب العراقي، الرافض لانفصال جزء حيوي من أراضيه. لكن هذه الأوراق، على الأقل إقليمياً ودولياً، ليست ثابتة، وهي خاضعة، لقانون المصالح، شأنها في ذلك شأن الكثير من العناصر التي تحكم العلاقات بين الدول. والتنسيق بين القادة العرب، حيال كثير من القضايا القومية والمصيرية، في أدني مستوياته الآن.
هل ستستثمر الحكومة العراقية الأوراق التي بيدها لمنع انفصال الأكراد، والحفاظ على ثروة العراق، وجغرافيته؟ وهل سيكون موقفها حاسماً تجاه رفض ضم مدينة كركوك إلى المناطق الكردية؟ ذلك أمر لا يمكن الجزم به في ظل ضعف الحكومة المركزية، وتبعيتها للخارج، وأيضاً بسبب التفسخ والفساد المستشري في أجهزتها، وعدم وجود جيش عراقي قوي. ولذلك فإننا نضع احتمال تسليم الحكومة المركزية بمطالب الأكراد، والتفريط بالثروة وبكركوك. وإلا فما الذي يدعوها إلى الحوار والوعود بتقديم بعض التنازلات، لو لم تكن في موقف الضعف؟
الأيام القادمة حبلى بأحداث كبرى في أرض السواد، لا يبدو حتى الآن أنها ستكون في مصلحة الشعب العراقي. وليس علينا سوى الانتظار.