اخترنا لكنون والقلم

استفتاء كردستان: ذرائعية تغطي الواقع

اجتمعت الظروف والتطورات والأوضاع الراهنة والحرب على الإرهاب والمنعطف الخطير وقررت أن الوقت غير ملائم لاستفتاء الأكراد على استقلال إقليمهم في شمال العراق.

لم ينكر أي بيان صادر حول مسألة الاستفتاء، سواء عن مجلس الأمن او عن جامعة الدول العربية او عن العراق وتركيا وإيران التي تعتبر نفسها معنية مباشرة بمستقبل الأقليم، حق الأكراد في تقرير المصير. لم يرفض اي مسؤول تناول انفجار المشكلة بين بغداد وإربيل التي تتفاقم منذ سنوات، حقائق فرضها نضال الأكراد على مدى مئة عام، على الأرض وفي الضمائر: الأكراد محرومون من كيان سياسي مستقل وذي سيادة على غرار بقية الشعوب المحيطة بهم.

تصاعد المشاعر القومية الكردية الذي يعبر عنه بعض الناشطين تعبيراً شوفينياً إضافة الى المآخذ العديدة على ممارسات الجناح السوري من حزب العمال الكردستاني (الـ «بي واي دي»)، يضعها الكرد في إطار تعقيدات العلاقة المريرة مع العرب وأنظمة الحكم خصوصاً تلك التي سادت في سورية والعراق منذ النصف الثاني من القرن العشرين، بيد ان ذلك لا ينفي لبّ المسألة وهي ان ملايين الأكراد في هذه المنطقة يتطلعون الى حق بديهي بالاستقلال.

الظروف والأوضاع والمنعطف الذي تمر به منطقتنا وبيان مجلس الأمن الدولي امس الأول، ناهيك عن الطبيعة الشديدة النسبية لمبدأ تقرير المصير وتعارضه مع اسس بناء الدولة القومية وإشكالياته التي تنتهي في نواحي العلاقات بين الأقليات والهويات والتفويض السياسي، لا تفعل كلها غير الحضّ على تأجيل النظر في القضية الكردية الى امد غير منظور. قد يوافق رئيس اقليم كردستان على ذلك (سنرى اليوم ما يعلنه في مؤتمره الصحافي بهذا الخصوص) لكن لا شيء يقول، في المقابل، إن ظروفًا وأوضاعًا وتطورات وبيانات جديدة لمجلس الأمن لن تصدر في المستقبل وتدفع نحو تأجيل جديد لكل خطوة استقلالية كردية في اتجاه زمن مقبل قد لا يأتي ابداً.

عليه، سيبدو محرجاً للدول المحيطة بالإقليم اي سؤال من نوع «متى سيحق للأكراد نيل استقلالهم؟» الأرجح ان الدول هذه ترفض فكرة الاستقلال الكردي على اي بقعة من الأرض، ما دامت هي ذاتها تعاني من مشكلات، تتفاوت حدّتها بين كلّ من العراق وتركيا وإيران، في سياساتها الداخلية وعلاقات مكوّناتها القومية والعرقية والطائفية ببعضها بعضاً. وما من أحد في حكومات الدول الثلاث هذه (إضافة إلى نظام بشار الأسد الذي يحاول إدارة الملف الكردي كمن يتعامل مع لغم مخبأ)، في وارد إعادة النظر في قضية تمس أسس الدولة وخطابها وصورتها.

من جهة ثانية، تشبه مقاربة الحقّ الكردي في تقرير المصير تلك المقاربة الفقيرة والبائسة التي يتبناها الغرب والعديد من الدول العربية حيال نظام الأسد. الجميع، من رؤساء الدول الكبرى وصولاً إلى ممثلي منظمات الإغاثة، يبدأ كلامه بالتأكيد على علمه أن «بشار الأسد مجرم وارتكب فظائع وجرائم ضد الإنسانية» وسرعان ما تبرز الـ «لكن» التي تجبُّ ما قبلها. «لكن ينبغي التعامل معه بواقعية». أو تلك النغمة المضجرة عن ان «اسرائيل دولة احتلال لكن لا مفرّ من حل على اساس التفاوض».

تغطي هذه الذرائعية المعضلة الحقيقية التي تواجهها الدول المحيطة بإقليم كردستان العراق والمتعلقة بمسقبل الأكراد وأوضاعهم في تركيا وإيران وسورية، وأن تواجه ما يواجهه العراق اليوم من نهاية فرضها الواقع لوحدته الترابية التي رسمتها خرائط الاستعمار، للمفارقة.

نقلا عن صحبفة الحياة

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى