لم ينجُ محمدٌ نبيُّ الله وحبيبُه وحاملُ رسالته ومبلغُها، خاتمُ رسلِه ونبييه، نبيُّ النور والهدى والرحمة، النبيُّ المتممُ لمكارم الاخلاق، لم ينجُ من إضطهاد قومه. فعانى رضوان الله عليه، الأذى والظلم والفهم المحدود القاصر المتجني لرسالته العظيمة، فحُورب وطُورد، وشتمه الغوغاء وضربه السفهاء واستهدف المغالون المتطرفون حياتَه فتوارى وصاحبُه أبو بكرٍ الصّديق في غار ثور وفداه علي بن ابي طالب فنام في فراشه لتعمية المشركين وتضليلهم كي تفشل خطتهم لاغتياله وتوزيعَ دمه على القبائل كي لا تكون جريمة يطالبهم فيها آل ابي طالب !!
نحتفل اليوم بذكرى الثبات على العقيدة. والصمود على المبدأ. والتضحية من اجل نصرة الحق والخير والنور، في وجه الطغيان والجهل والخرافة، وانتصار الضحية على الجلاد، وانتصاف الحق من الباطل، وعلو مكانة التوحيد وهزيمة الظلام والوثنية والظلم.
نحتفل اليوم بذكرى الهجرة النبوية الشريفة، التي تحمل اعظمَ القيم والرسائل والدلالات والدروس، فقد صمد الإسلامُ وانتصر، في احلك الظروف وأقساها وأكثرها وحشية، عندما كان معتنقوه المهتدون المناضلون الابطال، كوكبةً من الرجال والنساء، يقل عددهم عن الخمسين، بنوا دولة قامت على العدل والخير والحق والرحمة والعلم والإيمان، فأصبحت من أعظم الدول.
والهجرة هي اضطهاد القوي الغاشم الظالم وفرار الضعيف المستهدف والاستعداد للعودة التي هي حتمية ان جرى توفير اسبابها وما تحتاجه من المحركات وعوامل النصر. ولنلاحظ ان الرسول الكريم أمر اتباعه المسلمين المستضعفين بالهجرة الى الحبشة «ارض الصدق» واللجوء اليها وطلب الحماية من ملكها النجاشي، الملك الكتابي المسيحي الذي وصفه الرسول بانه ملك عادل «لا يظلم عنده احد».
ولقد عاد المهجّرون الى ديارهم، كما يعود كل المهجّرين في العالم الى ديارهم، طال الزمان او قصر، لانه الحق والعدل الذي سينتصر على الباطل والظلم.
فليقتف من يريد لهذا الدين العظيم ان يظل في بهائه وألقه وصفائه ونورانيته، أَثرَ الرسول العظيم وصحبه الكرام، الذين نصروا دينَ الله وأعلوه، عندما جعلوا الحق والرحمة والعدل ركائزَه واعمدته، وعندما انفتحوا على حضارات الأمم وعلومها وفلسفاتها وفنونها.
وكما هاجر وعاد المسلمون المستضعفون الأوائل الى ديارهم، فسوف يعود الى ديارهم، إخواننا الفلسطينيون الذين اقتلعوا من وطنهم بالمذابح والمدافع، طال الزمان ام قصر. وكل الشواهد على امتداد قرن كامل، تبرهن على ان الشعب العربي الفلسطيني الجبار، ماضٍ على طريق الحرية والاستقلال والكرامة الإنسانية. وكذلك سيعود الى ديارهم، إخواننا السوريون الذين اقتعلوا من وطنهم، وقذف بهم بكل وحشية، وبالمذابح والمدافع الى كل ارجاء العالم.
لقد أتمَّ اللهُ نورَه قبل 1438 عاما، فلا خوفَ على دينه اليوم الى يوم الدين. أما محاولات الإرهابيين والمتطرفين، الزعم بانهم حماة الدين والمدافعين عنه، الا محاولات بائسة سقيمة، لم تجد ولن تجد الا الصد والنفور والرفض. وكذلك هو بائس ومكشوف، حال من يتاجرون باختلاق أعداء وهميين للدين الحنيف، وينصّبون انفسهم حماة له على فضائيات الدم والتكسّب والاثراء الطائل الفاحش.
كل عام وامتُنا العربية الماجدة، أقرب الى الله والى الرسول، وقد استردت دورَها ومكانتَها وتحررت من الاحتلال والعوز والجهل والتطرف والغلو.
70 2 دقائق