للشيخ صُباح احترام وتقدير كبير لدى الرأي العام في دول مجلس التعاون، وهذا ما جعل التفاؤل في نجاح وساطته لم يخضع للتساؤل. وللشيخ صُباح تاريخ حافل ومشرف في خدمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية على كافة المستويات وفي كل المجالات، وهذا ما يعطيه ثقلاً سياسياً يجعله مقبولاً لدى كبار القادة والسياسيين. وللشيخ صُباح مكانته على المستويين السياسي الخليجي والعربي نظير جهده الطويل في خدمة الدبلوماسية والسياسة الخليجية والعربية، وهذا ما يؤهله ليكون وسيطاً سياسياً ناجحاً ومقبولاً من الجميع. وللكويت الدولة الرئيسية في مجلس التعاون لدول الخليج العربية الحق في الدعوة للمحافظة على هذه المنظومة الخليجية لما فيه خير ومصلحة شعوبها ودولها، وهذا ما يساعد على إبقاء الخلافات السياسية بين دول المجلس في إطارها الخليجي ويساهم في حلها.
للشيخ صُباح مكانته على المستويين السياسين الخليجي والعربي نظير جهده الطويل في خدمة الدبلوماسية والسياسة الخليجية والعربية، وهذا ما يؤهله ليكون وسيطاً سياسياً ناجحاً ومقبولاً من الجميع..
هذه النظرة الإيجابية التي تتضمن كل الاحترام والتقدير للشيخ صُباح وللأدوار السياسية التي عمل عليها وساهم فيها لمسها الرأي العام الخليجي والعربي والدولي من خلال ترحيب الدول الداعية لمكافحة الإرهاب بوساطة الشيخ صُباح لإنهاء أسباب الأزمة السياسية مع قادة دولة قطر. وهذه النظرة الإيجابية التي تحتوي على كل معاني الأخوة النبيلة بين الشيخ صباح وقادة الدول الداعية لمكافحة الإرهاب لمسها الرأي العام الخليجي والعربي من خلال قبولهم بالشيخ صُباح وسيطاً مخلصاً لوطنه وامته. تبع هذه النظرة الإيجابية والمتفائلة بوساطة الشيخ صُباح لقاءات سياسية وتصريحات صحفية عبرت عن تفاؤل بقرب حل هذه الأزمة السياسية وتطلع الدول الداعية لمكافحة الإرهاب لسرعة إنهاء الأزمة.
وفي مقابل هذه النظرة الإيجابية القائمة على الاحترام والتقدير التي تملكت الدول الداعية لمكافحة الإرهاب ولدى الرأي العام فيها بوساطة الشيخ صُباح، كان لقادة دولة قطر، في الجانب الآخر من طرف الأزمة، نظرة سلبية قائمة على عدم الاحترام وعلى عدم التقدير لوساطة الشيخ صُباح. هذه النظرة السلبية وعدم الاحترام لوساطة الشيخ صُباح وعدم التقدير لدوره ولتاريخه الطويل في خدمة السياسية الخليجية والعربية اتضحت بشكل مباشر منذ اليوم الأول للوساطة عندما قام قادة دولة قطر بتسريب ورقة المطالب السياسية التي قام بتسليمها الشيخ صُباح لقادة دولة قطر. فهذه البداية السلبية وهذا التصرف غير الدبلوماسي مع وساطة الشيخ صباح يعني بأن قادة دولة قطر لم يقبلوا بالشيخ صُباح وسيطاً على الرغم من استقباله، ولم يرغبوا بإنهاء أسباب الأزمة، ولم يتطلعوا لحلها. فقادة دولة قطر عندما قاموا بهذا السلوك غير الدبلوماسي والممارسة السياسية غير المهنية والتصرف غير الاخلاقي مع وساطة الشيخ صُباح أرادوا من خلاله إحراج الوسيط وإفشال الوساطة من غير أن تكون هناك سلبيات ظاهرة على قادة دولة قطر. فقادة دولة قطر لم يرغبوا بحل الازمة وفي نفس الوقت يريدون أن يظهروا أمام الرأي العام وأمام المجتمع الدولي بأنهم راغبون في حل الأزمة، فكان هذا التصرف غير الدبلوماسي هو أداتهم التي عن طريقها عطلوا الوساطة على أرض الواقع.
وإذا كانت الأشهر الثلاثة الماضية منذ بدء المقاطعة السياسية شهدت العديد من التصرفات السلبية التي قام بها قادة دولة قطر وعبرت عن عدم قبولهم لوساطة الشيخ صُباح، فإن سلوكهم السياسي وممارستهم الدبلوماسية بعد تصريحات الشيخ صُباح في الولايات المتحدة الامريكية تعبر بكل وضوح بأن قادة دولة قطر تجاوزوا في إحراجهم للوسيط السياسي الشيخ صُباح كل الأعراف والأخلاق والممارسات الدبلوماسية. فعندما يُصرح الشيخ صُباح بأن دولة قطر قبلت بتنفيذ المطالب السياسية وتتطلع لإنهاء أسباب الأزمة، يأتي تصريح قادة دولة قطر بأنهم لم يقبلوا بكل ذلك، وإنما قبلوا بالتفاوض والمناقشة. فكيف يمكننا أن نفهم مثل هذا التصرف غير الأخلاقي الذي قام به قادة دولة قطر؟ فالرأي العام الخليجي يعلم تماماً بأن الشيخ صُباح لم يُعلن ذلك من تلقاء نفسه وإنما قام بنقل الرسالة كوسيط، وفي نفس الوقت يعلم الرأي العام الخليجي بأن قادة دولة قطر سوف يعملون كل ما بوسعهم لتعطيل وساطة الشيخ صُباح واحراجه امام الرأي العام العربي والدولي.
وعلى الرغم من معرفة الشيخ صُباح بتاريخ قادة دولة قطر وبسلبية سلوكهم السياسي وممارستهم الدبلوماسية التي تسببت بأزمات سياسية عانت منها الدول العربية والإسلامية بما فيها دولة الكويت، كما ذكر الشيخ صُباح في تصريحه المشترك مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، إلا أن تسامحه المشكور واخلاقه النبيلة ورغبته الواضحة وصدق نواياه وتطلعه المتفائل لإنهاء المقاطعة السياسية لدولة قطر لم تلق من قادة دولة قطر إلا النكران والجحود والخداع.
فقادة دولة قطر وجدوا في هذا التصريح الإيجابي للشيخ صُباح فرصة مناسبة لاستغلاله سياسياً وتسويقه إعلامياً للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية في المجتمعات وفي الأوساط الفكرية والثقافية الغربية وامام الرأي العام الغربي. فمنذ أن صرح الشيخ صُباح بأن دولة قطر قبلت بتنفيذ المطالب الثلاثة عشر التي وضعتها الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، عملت الآلة القطرية على جميع المستويات لإظهار دولة قطر وكأنها دولة سلام وتصوير قادة قطر بأنهم رعاة للسلام وداعمين للاستقرار وبأن شعب قطر عانى من “المقاطعة” التي يسمونها “حصاراً”. هذا التوظيف للأحداث السياسية أصبح ثقافة معتادة لدى قادة دولة قطر عملوا عليها وما زالوا يعملون على توظيفها للحصول على أكبر قدر من المكاسب بأي شكل من الأشكل وبأي أسلوب من الأساليب. فالهدف النهائي تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية حتى وإن كان على حساب الأخ والصديق والوسيط النزيه.
إن ثقافة التضليل والخداع والخيانة التي تأصلت بالممارسات السياسية القطرية وبالسلوكيات الدبلوماسية وتمكنت من دوائر صنع القرار وسيطرت على وسائل الإعلام القطرية تفرض على المجتمع الدولي الحذر من تصرفات قادة دولة قطر. فما كانت تدعيه من مظلومية، أثبتت الاحداث بأنها دعاية إعلامية، وما كانت تدعيه من تبنيها للحرية الإعلامية، أثبتت الأحداث بأنها خطابات لبث الكراهية، وما كانت تُعلنه من قبولها للوساطة الكويتية، أثبتت الاحداث بأنه إعلان لاستنزاف الوساطة الخليجية. هذه الثقافة القائمة على التضليل والخداع والخيانة عمل عليها ورعاها وتبناها الشيخ حمد بن خليفة وعاونه في ذلك العناصر المتطرفة والتنظيمات الإرهابية الذين جلبهم ليعملوا معه لبث الفتنة بين الشعوب وتدمير الأنظمة السياسية وتفتيت الدول خدمةً لأجندة أعداء الشعوب والدول العربية والإسلامية.
وفي الختام من الأهمية القول إن الرأي العام في دول مجلس التعاون يفخر بالشيخ صُباح الذي عمل بكل صدق وإخلاص في سبيل المحافظة على وحدة وامن واستقرار مجلس التعاون الخليجي، وعمل وما زال يعمل في سبيل إنهاء الأزمة ورفع المقاطعة السياسية بين الدول الداعية لمكافحة الإرهاب وقادة دولة قطر. فهذا الجهد السياسي الكبير والعمل الدبلوماسي عالي الاحترافية الذي يقوم به الشيخ صُباح مقدر خير تقدير ويثمنه كل مواطني دول مجلس التعاون بما فيهم شعب قطر الكريم الذي يتطلع للعودة لمكانته الطبيعية بين أهله. وما يتطلع له الشيخ صُباح لإنهاء الأزمة هو الذي يتطلع له قادة الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، فالجميع يتطلع لكل ما يعزز الأمن والسلم ويدعم الاستقرار على جميع المستويات. ويبقى التساؤل متى سوف يُقدر قادة دولة قطر وساطة الشيخ صُباح الذي يبذل جهداً سياسياً ودبلوماسياً كبيراً في سبيل إنهاء الأزمة؟