استبشرت دول الخليج بالمكالمة الهاتفية، التي تمت بين الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي وبين الشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر، إلا أنه لم تمض سوى ثلاث ساعات حتى صدر بيان غاضب من مصدر سعودي، أشار إلى أن وكالة الأنباء القطرية حرفت في التصريح. وهو الأمر الذي تعودت عليه القيادة السعودية ودول مكافحة الإرهاب من حكومة قطر مثل هذا التصرف.
لو أن وكالات الأنباء اكتفت فقط بخبر الاتصال بين القيادتين لكان هذا كافياً لمنح الاطمئنان لشعوب الخليج، بعد أن مضى على قطع العلاقات بين هذه الدول 90 يوماً، حتى خبر وكالة الأنباء السعودية كان مبعثاً للاطمئنان، حينما أشارت إلى أن أمير قطر أبدى رغبته في الجلوس على طاولة الحوار ومناقشة مطالب الدول الأربع، بما يضمن مصالح الجميع، وأشارت «واس» إلى أن ولي العهد السعودي رحب بهذه المبادرة، وأن إعلان التفاصيل سيتم لاحقاً، بعد أن تنهي السعودية التفاهم مع الإمارات والبحرين ومصر.
إلا أن الخبر الصادم، الذي بدد فرحة إجراء حوار على طاولة المفاوضات، ما بثته وكالة الأنباء القطرية، حينما أشارت إلى أن المكالمة الهاتفية تمت بناءً على تنسيق من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقالت الوكالة إن أمير قطر رحب بمقترح ولي العهد السعودي بتكليف مبعوثين لحل الأمور الخلافية، طبعاً بعد نشر خبر وكالة الأنباء القطرية، رد مصدر سعودي مسؤول، قبل أن تمر ثلاث ساعات على المكالمة الهاتفية التي تمت بين القيادتين، وأوضح المصدر أن ما نشرته الوكالة القطرية لا يمت إلى الحقيقة بأية صلة، وأن ما تم نشره هو استمرار لتحريف السلطة القطرية للحقائق.
يستطيع أي مراقب سياسي للأحداث بين دول المقاطعة وقطر أن يعرف أن أسباب هذا الخلاف، وخصوصاً أن الجانب القطري منذ بداية الأزمة يترنح في تصريحاته؛ فمرة يقول حصار، ومرة يقول إنها تريد أن تلتحم معها عسكرياً، ومرة يقول إن السعودية منعت حجاجها من أداء الفريضة، وفي كل مرة يأتي رد سريع من جهات خارج دول المقاطعة، على أنها اتهامات خاطئة وملفقة، ولا يمكن أن يصدق أحد أن مثل هذه التصريحات الملفقة تصدر من دولة تزعم أنها ذات سيادة، ويبدو جلياً أنها تصدر من قيادة ليس بإمكانها التحكم بزمام الأمور في البلاد وتعيش حال تخبط.
فمشروع إرسال مبعوثين من الطرفين هي فكرة مرفوضة منذ البداية من دول مكافحة الإرهاب، التي طلبت بوضوح، من خلال مطالبها الـ14، الموافقة غير المشروطة أولاً، وبعدها يتم التفاوض، وبالتالي فأي تحرك نحو المصالحة يجب أن يكون بصورة مباشرة أو من خلال الوسيط، وهو سمو الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، وهو جهد مشكور لأمير الكويت، فهو له مكانة عالية لدى قادة دول الخليج والعالم العربي، وحينما رحبت القيادة السعودية بمكالمة الشيخ تميم بن حمد فهو مبني أصلا على رغبته في الجلوس على طاولة الحوار ومناقشة مطالب الدول، ما يعني انفراجاً في الأزمة، وأعتقد أن المكالمة لو كانت فارغة من هذا المحتوى لما رحبت السعودية بالاتصال، وبخاصة أن الاتصال الأول من القيادة الفطرية بإحدى دول المقاطعة، وهو ما اعتبرته السعودية خطوة مهمة من القيادة القطرية لمعالجة الأزمة، إلا أن السؤال المحير: لماذا تعاملت وكالة الانباء القطرية مع مكالمة رئيس دولتها مع ولي العهد السعودي بهذه الصورة، وضربت بالجهود المبذولة لإنهاء الأزمة عرض الخائط؟
من الواضح أن هناك أيادي خفية لا تريد لقطر أن تتجاوز أزمتها وتعود إلى حضن الخليج، وواضح أيضاً أن من يحرك السياسة في قطر ليسوا قطريين، هي إدارة خارجية لا يمكن للقيادة القطرية السيطرة عليها، هي من تصوغ وتصنع الأخبار، والشيخ تميم حديث عهد بالسياسة والدبلوماسية، فهو شاب خلوق جميل في تصرفاته العفوية، حينما ينزل إلى سوق واقف أو أحد المتنزهات ويتصافح مع الناس، ومبادرته بالاتصال كانت وراءها رغبة لديه في أن يجد حلولاً لأزمة بلاده وينتشلها من العزلة الدولية، إلا أن مبادرته هذه ووجهت بالقمع من والده الشيخ حمد ووزير خارجيته الأسبق حمد بن جاسم مهندس الأزمات القطرية، ومحرك الإعلام القطري، مع زمرة من المرتزقة، لهذا ستلاحظ أن الإضافة الموجودة في خبر وكالة الأنباء القطرية بعبارة «رحب الأمير بمقترح أخيه ولي العهد بتكليف مبعوثين لحل الأمور»، مع أن فكرة الاتصال جاءت من أمير قطر، ما يعني أن ولي العهد السعودي سيكون مستمعاً، لأنه يريد أن يطرح حلاً لمشكلته، فكيف – بالله عليكم – شخص يطلب منك الموافقة على الاتصال بك، وفي الأخير ينصت إلى مكالمتك؟!
فالاتصال كان مبادرة من أمير قطر ورغبة منه في التحدث، سواء أكان بتنسيق أميركي أو بصفة شخصية، وبالتالي وافق ولي العهد السعودي على استقبال المكالمة، فهذا يعني أن فتح الموضوع أو النقاش، سيكون من طرف المتصل وليس من طرف المستقبل، فكيف تقول الوكالة إن أمير قطر يوافق على طلب ولي العهد السعودي؟ أليس هذا واضحاً أن نص الخبر تعرض للتدخل من جهات أخرى أعلى من سلطة أمير قطر ومكتبه، والرئيس الحالي هو رئيس صوري وشكلي، لا يملك صلاحيات؟
الرد السعودي كان حازماً وقوياً وغاضباً، وإشارة واضحة إلى أنه حتى الاتصالات لم تعد محل ثقة، وتعطيل أي حوار أو تواصل مع السلطة في قطر، حتى يصدر منها تصريح توضح فيه موقفها في شكل علني. فالأشخاص الذين يديرون الأزمة في قطر قلصوا من سيادة الدولة أكثر مما قلصته الجغرافيا.
* كاتب وصحافي اقتصادي.