بدأ الحجاج في العودة إلى ديارهم سالمين غانمين، وخاب رجاء أولئك الذين امتلأت قلوبهم حقداً وكراهية.
سقط رهان نظام قطر، وسقطت آمال من والوا الشيطان، من أتباع إيران وشراذم الإخوان، وحظيت الأمة الإسلامية بموسم حج هو الأنجح من بين المواسم التي سبقته.
كان اليسر شعاراً فأصبح حقيقة، فالرجال الذين قبلوا بحمل أمانة خدمة الحرمين الشريفين أوفوا بالعهد، وأعطوا العالم كله درساً في الرعاية والحماية والتنظيم والاستضافة وإزالة المعوقات وتسهيل الإجراءات، وبث روح الاطمئنان بين زوار بيت الله الحرام.
في تلك البقعة المحدودة، وما بين المشاعر المتفرقة، وخلال خمسة أيام هي الذروة، وهي أكبر تجمع بشري متحرك ومتنقل، كانت الوسائل الحديثة خطاً فاصلاً ما بين النجاح والفشل، وقد منّ سبحانه وتعالى على الذين سعوا واجتهدوا وبذلوا الوقت والعرق بالنجاح المشهود.
تحدى سلمان الأمين كل الظروف المحيطة، وقدم نموذجاً للعمل المخلص، إرضاء لرب العالمين أولاً وأخيراً، وبعدها إسعاداً للذين تحملوا عناء السفر لأداء الفريضة دون ضغط أو معاناة تفوق الطاقات البشرية، وقد كسب سلمان التحدي ومعه ولي عهده ورجال سخروا للمهمة الصعبة، وفازوا جميعاً.
أين الذين راهنوا على العكس؟
دفنوا رؤوسهم في الرمال؟ خجلوا من أنفسهم؟
إنهم كذلك، رغم أن بعضهم ما زال «يؤذن في خرابة»، ينعق كالغراب أو ينهق كالحمار فلا يسمعه أحد، عندما يكون المشهد واضحاً أمام الملأ بكل تفاصيله لا يصدق الناس الأكاذيب، ولا يلتفتون إلى صراخ كالعواء في الصحراء، فالأبواب كانت مفتوحة على مصاريعها، فهذا بيت الله، والقادمون ضيوف الرحمن، والأرض الطاهرة الطيبة تفتح أذرعها للجميع، أجناس وألوان وطوائف ومذاهب ولغات وثقافات تتوحد هناك، تذوب كما ذابت الفروقات، ولا يسمع غير لسان واحد، ولا ينبض غير قلب واحد، ولا يرى غير ذلك اللون الأبيض.
لا تسييس للحج، ولا ولي فقيهاً أو مرشداً أو طامعاً أو خائناً أو منحرفاً له مكان في الديار المقدسة، فقط النيات الصادقة كانت هناك مع إرادة الرجال، جزاهم الله خيراً .