في قطر، ليس من الهيّن أن تخالف السلطة، فتختار ما تريده أنت، لا ما تريده هي.
لكن هذا ما فعله أكثر من 1500 حاج قطري، تركوا خلف ظهورهم مصيراً يبدو أنه مجهول، في ظل التصريحات المتضاربة، كعادة الإدارة القطرية في إدارة أزماتها التي تفتعلها، بين إعلام كاذب زعم أن لم يحجّ أحد، وتصريحات رسمية، جاءت على لسان وزير خارجيتها محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الذي اعتاد إحراج النظام بقول أجزاء من الحقيقة تخرج غالباً عن السياق المخطط له، تحمّل السعودية مسؤولية سلامة حجاجهم.
دهاليز الظلام، أو التناقضات التي تلعب قطر في نارها منذ بزوغ فجر انقلاب الشيخ حمد على والده، عندما برره بأنه كفٌّ ليد أبيه عن مصافحة الإيرانيين، فيما ارتمى جميعه بمشورة من حمد الآخر في أحضان إيران! تلك التناقضات تضع الحجاج القطريين على كف عفريت «الأنا» المتضخمة لدى الحمدين.
لا شك في أن الذين لبوا نداء الرحمن قد جرحوا كبرياء الرجلين، وأثخنوا فيها، إلى حد جعل من عودتهم، بحسب معطيات تغييب القطريين عن مشهد الرأي والعقل، بمثابة خطر حقيقي، والسؤال المطروح: هل تمثل حجتهم هذه معارضة صامتة؟ في الواقع، وفي مجتمع عشائري مثل المجتمع القطري، يمكن اعتبار مخالفة رغبة «الشيخ» عصياناً مدنياً، ورمياً لمهابته عرض الحائط، وانتقاصاً منه.
بناء عليه، فإن دعوة المنظمات الحقوقية الدولية الموثوقة للاضطلاع بمسؤولياتها تجاه الحجاج القطريين لا يعد ترفاً في هذا المقام. وأعتقد أن التواصل مع الحكومة السعودية لمعرفة بيانات أولئك الحجاج، من أجل سلامتهم، أصبح أمراً ملحّاً، حتى لو تطلب الأمر تطوير تلك الأساور التي توضع على معصم كل حاج وتحوي معلومات تفصيلية عنه، إلى ما يمكّن من تحديد أماكنهم عند عودتهم، ثم متابعة أوضاعهم في داخل قطر، فالنظام الذي سحب جنسية 6000 قطري وقطرية من قبيلة واحدة، وطردهم من أرضهم، بجريرة اتهامات «لبضعة» أشخاص من القبيلة نفسها، لن يتورع عن فعل الشيء ذاته أو أدهى، في حق الذين لقَفوا بإيمانهم إفك سلطانه، ودندنته وإعلامه حول عدم تمكين السعودية إخوانها في قطر من أداء الركن الخامس في الإسلام.
«اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس»، تحولت انطلاقاً من قطر وبفعل فاعل، إلى اكذب من دون اعتبار لأحد، ولا إلى الحقائق، ما دمت ترتبط بعلاقات ومصالح مع متسلقين يمدون لك في الطغيان، يحملون جينات النيات ذاتها، ما بين إخوان مسلمين لا همّ لهم سوى إشاعة الفوضى بنشر أوبئة الشك والقطيعة في أي مكان حلّوا، وقوى إقليمية اتحدت على مسرح التشرذم الذي أعدّته، تحاول رسم لوحة الوقيعة بتفعيل خيار الانهيار، في دول وقفت -ولا تزال- حجر عثرة أمام مشاريعهم السياسية الخبيثة.
ختاماً، يمكن القول إننا أمام مشهد درامي حقيقي، أبطاله فرقة سلاحها البهتان والمراوغة، تمتص بها دماء الأبرياء لتطفو على قيد السياسة، مطايا لمصالح ضيقة، تظن بأن ذلك يمكن أن يغير سنن التاريخ الكونية، حيث النهايات الحتمية، عندما يحيق المكر السيئ بأهله في آخر المطاف.