في الوقت الذي تبقى فيه مواقفنا ردة فعل مشروعة على ما قامت به قطر من مؤامرات مثبتة بالأدلة والبراهين، تسعى الدوحة إلى ترسيخ عزلتها الخليجية والعربية، من خلال ممارسة المزيد من الألاعيب، وبصورة أشد عن تلك التي مارستها خلال السنوات الماضية.
وفيما كانت سياستها أكثر وضوحاً من مصر بعد الإطاحة بحكم حليفتها جماعة الإخوان، ها هي الآن تحبك خيوطها حول أشقائها في مجلس التعاون، خصوصاً الدولتين الأكثر تأثيراً في المجلس المملكة والإمارات، لكنها عندما فشلت في اختراق هذين البلدين لما يتمتعان به من وحدة داخلية واستقرار سياسي واقتصادي عجز عن اختراقه المال القطري، بدأت في تجربة مكرٍ من نوع آخر.
أدركت الدوحة منذ البداية أنها لن تنجح في مواجهة الرياض وأبوظبي معاً لذلك جندت أتباعها وأبواقها الإعلامية للنيل من هذه الوحدة من خلال نشر الأكاذيب حول العلاقة التي تربط بين الشقيقتين والسعي لتدويل تلك الأكاذيب وربطها بصحف ومواقع إخبارية عالمية مدفوعة الأجر ثم إعادة الترويج لها وكأنها حقائق لا يمكن التشكيك في مصداقيتها.
تسريبات مزيفة عن السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، تتحدث عن الشأن الداخلي السعودي، وطبيعة الحكم في المملكة، وأخرى تؤكد وجود خلاف عميق بين الحليفين الأكبر والأكثر تضحية في معركة إعادة الشرعية في اليمن، وكلها لا تعدو كونها محاولات مصبوغة بحالة اليأس التي يعانيها صانعو القرار في قطر بعد أن تسببت المقاطعة المحكمة في منع الأيادي الخفية من ممارسة دورها المزدوج لاختراق منظومتنا من الداخل.
الآن.. هم أكثر قرباً إلى خانة الأعداء منهم إلى الإخوة والأشقاء بعد إمعانهم في التقرب من إيران وأزلامها، وسعيهم الحثيث والعلني إلى إحباط كل الجهود المخلصة لإعادة الاستقرار إلى المنطقة.
لقد شكل حج هذا العام طريق اللاعودة بالنسبة للدوحة بعد أن وقفت ضد رغبة الأشقاء القطريين وحاولت منعهم من أداء هذه الفريضة رغم توجيه خادم الحرمين الشريفين باستضافتهم وتسهيل مناسكهم، ويبقى اختيارهم الاستجابة لهذه الدعوة الكريمة وقدوم ما يزيد منهم عن أعداد الموسم الماضي بمثابة تصويت عفوي على رفض التعنت الذي أبدته حكومتهم.. وربما أكثر.
كان هناك أمل في أن يتخلى الأمير الشاب عن إرث والده الملطخ بدماء الشعوب العربية التي عانت كثيراً في سبيل عودتها إلى الاستقرار في ظل انتشار المليشيات والجماعات المتطرفة التي واصل دعمها حتى بعد تخليه عن السلطة، ولعل هذا ما جعل قادة الخليج يمنحون الشيخ تميم الفرصة بعد الأخرى لإصلاح ما أفسده “الحمدين” لكن الأمور استمرت على حالها، وصولاً إلى الأزمة الراهنة.
لا بد أن نكون واقعيين فكل ما يحصل يؤكد بشكل قاطع أن لا مجال هناك لعودة هذه الدولة إلى محيطها الخليجي والعربي على الأقل مع وجود هذه الطبقة الحاكمة فيها، وما يحيط بها من مستشارين وعملاء كانوا وقود الأزمة منذ البداية، أولئك الذين أطلقتهم الدوحة اليوم للنيل من رموزنا وأوطاننا.. والذين سرعان ما سينقلبون غداً ضد قطر نفسها حالما يجدوا من يدفع أكثر.