في بعض الأحيان نشعر بأن هناك أيادي خفية تحرك الأمور في مناطق الصراع العربي، ونحاول جاهدين أن نتعرف عليها أو على أقل تقدير أن نتفهم أدوارها، ولا نتوصل إلى نتيجة، نتوه مع التائهين، ولا نملك غير متابعة الأحداث والاستغراب من تحولاتها.
قضية «داعش» وحربه مع حزب حسن نصر الله التابع لإيران في لبنان تختصر ضبابية الأحداث، فالحزب المذكور لم يستطع أن يعمل في العلن لمرة واحدة، وأمينه العام أو رئيسه وسيده يحرف الحقيقة في كل خطاب مسجل يذاع له، وفي النهاية نكتشف أنه لم يحارب في «الجرود» ولم يحرر شبراً من الأراضي اللبنانية، وعندما أراد الجيش أن يؤدي واجبه الوطني منع، ليعلن عن اتفاق بين الحزب و«داعش»، ولم تقدم للشعب اللبناني مبررات ذلك الاتفاق الصادم.
فالإرهابيون القتلة المنتمون للتنظيم منحوا ضمانات للانتقال من الأراضي اللبنانية المجاورة للحدود السورية إلى الحدود العراقية، ووفرت لهم كل وسائل الراحة، هم وعائلاتهم، وكذلك الحماية، فالمسافة بعيدة، والمناطق التي ستمر بها الحافلات السياحية المكيفة التي وفرها حزب نصر الله ليست آمنة.
فإذا بالتسريبات تتحدث عن اتفاق أكبر من حزب وميلشيات، فالراعية الأولى للإرهاب حسب التصنيف الدولي، وهي إيران، تقف خلف ذلك الاتفاق، والثمن أسراها وجثث قتلاها في سوريا، والكل بلع لسانه، في لبنان صمت أهل السياسة والمناصب السيادية.
وفي سوريا فتحت الطرق وسكتت بنادق الجميع، روس على أسد على تركيا على أميركا، والمعارضة أيضاً بأطيافها المتنوعة، كلهم سيفرشون الأرض أمناً وسلاماً حتى يصل مقاتلو «داعش» إلى مقصدهم!!
إيران أكبر مستفيد من وجود «داعش»، قلنا ذلك منذ اليوم الأول الذي ظهر فيه هذا الاسم، وبعد أن سلمه المالكي ثلث العراق دون قتال، إنه الذريعة التي أوصلت الحرس الثوري الإيراني وحزب نصر الله والحشد المذهبي العراقي إلى السيطرة على وسط العراق وبلاد الشام، ولا يراد له أن ينتهي، تنظيم «داعش» يحقق المصالح الإيرانية في أرض العرب، وهو صنيعة «قاسم سليماني» وأعوانه، ينتصر عندما يريدون هم التوسع، وينهزم عندما يحققون أهدافهم في بعض المناطق، وينقل إلى مناطق جديدة لم تنتشر فيها عصاباتهم المسلحة.
إنها لعبة أمم وليس صراع حركات وأحزاب، تحدثوا عنها منذ عقود ولم نصدقها، ولكننا اليوم نراها بأعيننا في وضح النهار.