ليس سهلاً أن تنجح في تنظيم حشد من مائة ألف متفرج في مباريات كرة القدم، ولمدة ساعة ونصف الساعة، فكيف بإدارة حشد يتجاوز مليوني إنسان، ولمدة خمسة أيام على الأقل، ومن جنسيات متعددة، ولغات مختلفة، يصعب التفاهم مع بعضها، ومن أعمار متباينة يصل بعضها إلى ثمانين عاماً وأكثر، يتعرض بعضها إلى أمراض مفاجئة، أو أزمات قلبية، أو ما شابه ذلك، وهم بلا تأمين طبي، في دولة لا تشترط عليهم تأمينًا طبيًا، ولا ترجو منهم مكسبًا سوى التشرف والزهو بخدمة ضيوف بيت الله، وما أعظمه من شرف.
هذا الوطن الذي يفتح أبوابه ومطاراته ومستشفياته وإمكاناته، ويجند شبابه وطاقاته في سبيل خدمة هؤلاء الحجاج، لا يجندهم في العبث في الأمن الداخلي لدول مجاورة، أو التدخل في شئون الغير، هذا الوطن بنبله وبياضه لا يقبل من هؤلاء القادمين من وراء البحار سعيًا لحج بلا رفث ولا فسوق، إلا أن يأتوا مجللين بالبياض، يكبرون لله سبحانه وتعالى، ويرجون رحمته ومغفرته، لا يرجون قادة ولا رؤساء، لا ينادون بشعارات سياسية ولا حزبية، ولا يرفعون راية غير راية لا إله إلا الله، والله أكبر.
وليست جديدة على هذا الوطن العظيم، الوطن المتسامح، تلكم الحملات والنداءات الخاسرة بتدويل الحج، لكن الجديد فيها أن تأتي من سلطة دولة جارة، دولة عربية، بل خليجية، تدَّعي ظلماً وكذبا أن مواطنيها ممنوعون من الحج، بينما هم هذا العام أكثر من العام الماضي، واستقبالهم هو استقبال الإخوة والأشقاء الذين يجمعنا بهم الدين والدم والقربى، فمتى يكف هؤلاء ومن سبقهم ممن أثار الفوضى والقتل في مواسم سابقة للحج؟.
إن تاريخ إيران مع مواسم الحج لا يخفى على أحد، وقيامها بالفوضى والتخريب مرارًا من خلال حجاج يديرهم الحرس الثوري، هدفهم الأول والأخير إفشال جهود المملكة في إنجاح الحج، لإعادة نغمة المطلوبة بتدويل الحج، ولكن كل ذلك يتلاشى مع النجاحات الكبيرة التي تحققها المملكة في مختلف قطاعاتها المشاركة في الحج، والتي تتناقلها أهم القنوات الأجنبية المحايدة، وهي تبدي دهشتها في إدارة هذه الحشود في وقت واحد، ومكان واحد، فالنجاح لا يخفى على أحد، بل إنه بدأ يظهر للناس في مختلف أنحاء العالم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فكفى كذبًا ، وتوقفوا عن التباكي والولولة.