الرئيس الأمريكي يقف على ساق واحدة، بينما يصر نظيره الكوري الشمالي، على ضربه فوق ذات الساق الوحيدة.
إطلاق صاروخ باليستي من كوريا الشمالية يعبر الأجواء اليابانية، لم يكن مجرد عمل من أعمال الاستفزاز للولايات المتحدة وقواتها المتمركزة في اليابان منذ أكثر من سبعين عاماً، وإنما هو عمل سياسي وإستراتيجي بامتياز، بحسب ما يتوقعه من ردود أفعال أمريكية، يابانية، كورية جنوبية، صينية، روسية، أطلسية.
تدهور مركز الرئيس الأمريكي ترامب في الداخل، وتزايد احتمالات سعي معارضيه الى عزله – وهم كثر- كان تحت بصر الزعيم الكوري الشمالي، لدى موافقته على إطلاق صاروخه الباليستي الوحيد عبر الأجواء اليابانية.
حسابات الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج اون، قبل إطلاق الصاروخ، قرأت المشهد الداخلي الأمريكي مع صراع بين الرئيس وبين المؤسسة ، التي تسعى بدأب الى تضييق الخناق عليه.
خيارات ترامب العسكرية، لا تقيدها قدرات الردع الأمريكي، بقدر ما تقيدها حسابات المؤسسة الأمريكية، و البنتاجون في القلب منها.
تخشى المؤسسة الأمريكية إن هي ردت على الاستفزاز الصاروخي الكوري، أن تشتعل حرب لا يمكن إيقافها، أو ان يتعرض التحالف بين واشنطن واليابان، وبين واشنطن وسيول، الى هزة عنيفة لا يقوم بعدها أبداً. ويخشى العسكريون الأمريكيون إن هم جربوا محاولة إسقاط صواريخ كيم جونج اون، أن تفشل المحاولة، مما يقوض قدرات الردع الأمريكية – وأغلبها نفسي في الأساس لم يتعرض لاختبارات ميدانية حقيقية- ويقول جنرال أمريكي في معرض تهيئة الرأي العام لاحتمالات إخفاق منظومة الردع الصاروخي الأمريكية في مواجهة صواريخ كيم ( البدائية) إن مهمة هذه المنظومة ليست «منع» الهجمات الصاروخية المعادية، وإنما « تقليصها».
تردد واشنطن إزاء استفزازات الزعيم الكوري الشمالي كيم، قد يغريه بمد تجاربه الصاروخية الى جزيرة جوام الأمريكية في المحيط الهادي، وقد ألمح الرجل بنفسه الى هذا عقب إطلاق الصاروخ فوق اليابان، قائلاً ان جوام الأمريكية هي المستهدفة في المرة القادمة، وإن قواته تتطلع إلى احتلالها.
المستفيدون من صاروخ كيم، كثيرون، بينهم ،بدرجة ما، الصين، التي اختبرت عبر جارتها الكورية حدود قدرة أمريكا على الفعل، وتأكدت من وجود عنصر تكدير ،مفيد، لخطط واشنطن في المنطقة، وبينهم أيضاً روسيا، التي لا تريد للحرب أن تشتعل في كوريا، ولا تريد لها أن تنطفىء بذات الوقت.
أمريكا تستفيد، من وجود نظام مندفع في كوريا الشمالية، كعنصر ترويض دائم لحلفائها في اليابان وكوريا الجنوبية، لكن السخونة الزائدة في الأزمة على خلفية إطلاق الصاروخ الشمالي فوق اليابان، تضع واشنطن في مأزق حرج أمام حلفائها في الشرق الأقصى، وحتى في الشرق الأوسط وفي منطقة الخليج، حيث تجري متابعة للأزمة الكورية، مشغولة برصد نمط الرد الأمريكي على التحدي الكوري الشمالي، باعتباره نموذجاً- مع الفارق طبعاً- لما يمكن أن يكون عليه الحال إن كان الصاروخ الكوري الشمالي، إيرانياً فوق الخليج.
في إبريل الماضي، قبل أربعة أشهر، حذّر نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، من أن «فترة الصبر الإستراتيجي» مع كوريا الشمالية قد انتهت، وقال لدى تفقده المنطقة منزوعة السلاح، الفاصلة بين الكوريتين» كانت هناك فترة صبر إستراتيجي، لكن تلك الفترة، قد انتهت»!!.
صبر أمريكا (الاستراتيجي) تجاه كوريا الشمالية، كان قد نفد قبل أربعة أشهر، بحسب نائب الرئيس الامريكي، مايك بنس، الذي قد تنتقل اليه مسؤوليات الرئاسة، اذا ما نجح خصوم ترامب في الداخل، في الإطاحة به وعزله. لكن سلوك واشنطن في الأزمة، بعد إطلاق صاروخ كيم، لا يعكس نفاد الصبر، بقدر ما يشير الى قلة الحيلة أو الارتباك، سواء بتأثر مركز القرار الأمريكي في الداخل على خلفية أزمات ترامب مع المؤسسة الأمريكية، أو بحسابات جنرالات في البنتاجون، يخشون أن تفقد أسلحة الردع لديهم مصداقيتها، اذا ما أخفقت مرة واحدة في إسقاط صاروخ كوري شمالي واحد.
دواعي الاشتباك الأمريكي مع كوريا الشمالية، أعلى بكثير منها مع إيران، ولهذا فان التردد الامريكي إزاء تهديدات كيم التي خرجت بالفعل الى حيّز العمل، لا يحمل رسائل طمأنة لحلفاء واشنطن في الشرق الأوسط والخليج.
الرسالة الحقيقية الصادقة للكافة، هي : اعتمدوا على أنفسكم.. اجعلوا استهداف أعدائكم لكم، باهظ الكلفة.. امتلكوا روادع ذاتية، وقدرة كافية لردع كافة مصادر التهديد.. فالمتغطي بغطاء غيره عريان.