نون والقلم

الشركاء في حرب اليمن

في الآونة الأخيرة طرأ على الأزمة اليمنية مشهدان عاديان وثالث دراماتيكي. يتمثل المشهد الأول في زيارة المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، طهران وإجرائه محادثات مع المسؤولين الإيرانيين. ويتمثل المشهد الثاني في حرب مرتبكة يخوضها الإخوان المسلمون في توزيع للأدوار ساذج ومكشوف.

وأما المشهد الدرامي فهو ارتفاع سخونة الخلاف بين شريكي الانقلاب وتصاعد الأبخرة الموحية باحتمال التصعيد، والانتقال من الحرب بالكلام إلى المنازلة بالسلاح.

في المشهد الأول بدت الخطوة قفزة بالباراشوت قام بها ولد الشيخ بعد رحلات طويلة غير مثمرة بين العواصم، ثم قرر الحديث المباشر مع الفاعل الأصلي، وذهب هناك وفوجئ أنه يحط فوق أرض سياسية وعرة، أصيب فيها بالجروح والرضوض.

والحق أن طرق أبواب إيران في الموضوع اليمني، عبث لا يجلب لمن يحاول غير الحرج والوجع. وليس بمقدور ولد الشيخ قليل الخبرة والمعرفة بالعلاقات الدولية مغالبة الخبث الإيراني. وحتى إذا حاولت كتائب دبلوماسية، فسوف تصد الفشل لأن التصدي الفاعل لطهران ومخالبها مرهون بنظام عربي متين ومتماسك، وبوعي الدول العربية بالأمن القومي، ضروراته ومحدداته.

أقول من هنا أن المشهد كان بلا معنى وانتقل إلى ما بعده، وأشير إلى أن الإخوان المسلمين باشروا حربين، إحداهما مؤذيه والأخرى مسليّة. وكانت الحرب الأولى حرباً حقيقية قصدوا بها إلحاق الأذى بدولة، يرون فيها عدواً ينبغي القضاء عليه، وفيها يستخدمون كل الأسلحة المحرمة في الأديان والقوانين وفي الأخلاق والأعراف. وأما الحرب الثانية فهي تمثيلية أرادوا منها الخداع، وفيها ينطلق الرصاص شارداً في الهواء يسمع له دوي ولا ترى من أثره إصابات.

في الحرب الأولى الحقيقية، فتحت النيران على الإمارات بعد ما جرى بين قطر وأشقائها. ولم يكن هذا مثار دهشة، إذ هم منغمسون حتى شعر الرأس في مؤامرة ينفذها التنظيم الدولي منذ انفتحت شهيته على الخليج بعد نجاحه في تسلم حكم مصر، وبدت الدهشة في التناقض الغريب بين تمجيد التحالف العربي الداعم لليمن واستهداف عضو فيه بسموم الكلام. وحينما حاولوا تغطية حربهم الحقيقية هذه بحرب وهمية وقعوا في ارتباك مخز. فقد أوكلوا لفرعهم في تعز إصلاح الفاسد، فأصدر بياناً يشكر الإمارات ويشيد بدورها ويتغنى ويمتدح، ثم أوعزوا لآخرين أن ينكروا ويرموا زملاءهم بأوحال الكلام. ذلك قد يرضي قطر بالطبع ويعزز صورة حزب يتفجر في العداوة إلى درجة الاستعداد للقتل.

المشهد الثالث، هو دراما الصراع القائم والقادم بين المؤتمر الشعبي وأنصار الله الحوثيين. وكانت المناوشات الإعلامية حاضرة في علاقتهما منذ نشأتها، ولكنها دارت دائماً في المستويات الدنيا والوسطى وقريباً من القمة، وفي انعطافها الأخير والحاد تراشق «السيد» و«الزعيم» وجهاً لوجه من غير وكلاء ومن غير اختباء وراء الكلمات الغامضة والأبواب المواربة. وقد بدأها عبد الملك الحوثي بخطاب متشنج وممل كعادته حمل الكثير من التهم والسخرية والتوعد، ورد علي عبد الله صالح واتهم هو الآخر وتوعد وهدد بفض التحالف، واجتمع الاثنان كلاهما على الاعتراف بالفساد والفشل في إدارة المناطق التي يهيمنان على مقدراتها، إلا أن كلاً منهما تنصل من المسؤولية وألقاها على صاحبه. غير أن تهمة قاسية صدرت عن الحوثي وتوقف عندها الناس، إذ قال إن شريكه يطعن في الظهر، ما فسره كثيرون بأن علي عبد الله صالح يرتب بالتنسيق مع دول في التحالف للانقضاض على شريكه، وأنه نوى استغلال حشد 24 أغسطس لتوجيه مسلحيه للاستيلاء على المرافق والمواقع الاستراتيجية في العاصمة ومتابعة مطاردات الحوثيين في المدن والمناطق الأخرى، وعن هذا سرّبت أخبار لا ترقى إلى مستوى المعلومات اليقينية عن خطة متكاملة. وذلك ولّد مخاوف لدى سكان صنعاء من اندلاع النار، بالرغم من أن عوامل أخرى خلف مظاهر الحشود والحرب الإعلامية كانت تستبعد المواجهة، وأهمها أن علي عبد الله صالح لا يغامر بقفزة إلى المجهول، ولا يقدم على خطوة دون أن يكون واثقاً من أنه سيضع قدمه على أرض ثابتة. وذلك لم يعد متاحاً أمامه بعد أن فقد سيطرته على قوات الحرس الجمهوري، إذ كسب الحوثيون ولاء بعضهم وأزاحوا آخرين من مواقع القيادة والسيطرة، ومن ثم فإن عملية جراحية سريعة في صنعاء ليست ممكنة، ورغم أن صالح يتمتع بنفوذ كبير بين القبائل، فإنه يدرك أن إقحامها في حرب بالمدن سيكون مدمراً.

المهم في الأمر أن الخلاف وصل إلى نقطة اللاعودة، وانسكب زيت كثير على الجسر الواصل بينهما، والأرجح أن الحوثي هو الأميل لإشعال الثقاب، وإذا حدث وتحقق أضعف الاحتمالات وانتصر صالح فسيكون التفاوض معه سهلاً، وإذا حدث العكس وفاز الحوثي بعد أن تخور قواه تصبح هزيمته ممكنة.

.. سننتظر ونرى واثقين أن المنتصر مهزوم في آخر الجولات.

نقلا عن صحيفة الخليج

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى