حسم حيدر العبادي، رئيس الحكومة العراقية الخلاف المتصاعد بين القوى السياسية العراقية كافة، وعلى الأخص بعد انتهاء معارك تحرير الموصل حول مستقبل «الحشد الشعبي» الذي ارتدى صبغة طائفية منذ اللحظات الأولى لتشكيله، عندما أعلن فجر الأحد الماضي (20-8-2017) انطلاق عمليات استعادة مدينة «تلعفر» آخر أكبر معاقل تنظيم «داعش» الإرهابي في محافظة «نينوى»، شمال العراق بمشاركة «الحشد الشعبي». ففي كلمة متلفزة أعلن العبادي أن «القوات العراقية كافة من جيش، وشرطة اتحادية، وقوات مكافحة الإرهاب، والحشد الشعبي والقوات المحلية ستشارك في العملية العسكرية بمساندة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة».
كانت التوقعات ترجح أن يستجيب العبادي لدعوات أطراف وزعامات عراقية، على رأسها مقتدى الصدر، إلى تحجيم دور «الحشد الشعبي» و«دمج العناصر المنضبطة منه بالقوات الأمنية، وحصر السلاح بيد الدولة»، وأن يستوعب الانتهاكات التي ارتكبتها العديد من منظمات وفصائل هذا الحشد ضد المدنيين، والأبرياء في المدن، والقرى التي جرى تحريرها من عصابات «داعش» الإرهابية، وأن يتدارك مغزى الهجوم الضاري الذي شنه ضده نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، من على منصة مؤتمر حول الإعلام بمدينة مشهد الإيرانية، بسبب زيارة العبادي للمملكة العربية السعودية، فضلاً عن تصريحات المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي عن هذا «الحشد» الذي يعتبر «علامة مضيئة» يجب الحفاظ عليها، بما يوحي ويؤكد أنه أضحى «أداة إيرانية» أكثر من كونه «قوة عراقية».
تجاوز العبادي هذا كله، وانبرى مدافعاً عن «الحشد»، وأشاد بدوره في معارك استعادة مدينة الموصل، معتبراً أن «الحشد» مؤسسة أمنية أساسية وحيادية، لا يجوز تسييسها، وستبقى في الدولة العراقية.
هذه الإشادة جاءت خلال لقاء العبادي بقادة «الحشد» بعد استعادة الموصل، أنهى فيه الطرفان شهراً من التوتر والتجاذبات بينهما، وانعكس التوتر بين الطرفين بتراشق كلامي، خصوصاً عندما حمَّل العبادي «الحشد» مسؤولية تأخير استعادة قضاء تلعفر، بعد أن وافق على ذلك، فيما ردّ عليه الأمين العام «لمنظمة بدر» هادي العامري (المدعوم بقوة من إيران) واتهمه بالخضوع لضغوط خارجية منعت «الحشد» من استعادة القضاء.
قد تكون هذه مقدمة لنجاحات يمكن أن تتحقق، لكن يبقى السؤال المهم وهو: أي دور سياسي محتمل «للحشد الشعبي» في معادلة حكم العراق بعد انتصارات تلعفر، وهل سيكون في مقدور حيدر العبادي إلزام «الحشد» بعد ذلك بالمبادئ الثلاثة التي اعتبرها حاكمة لوجود ودور «الحشد الشعبي»، والتي طرحها في لقائه المشار إليه مع قادة «الحشد» أولاً، أن العراق هو المرجعية الوطنية، والثاني أن مرجعية «الحشد» الشرعية تتمثل بآية الله علي السيستاني (وليس ولاية الفقيه)، وثالثها، أن المرجعية القانونية هي القانون النافذ الذي أقره البرلمان؟ وهل في مقدور حيدر العبادي إلزام «الحشد الشعبي» أن يبقى جهازاً عسكرياً- أمنياً على غرار المؤسسات العسكرية المساندة للجيش العراقي، تعمل وفق أجندة عراقية كما يأمل؟
الأسئلة مهمة في ضوء مواقف معلنة على لسان قادة «الحشد»، وعلى لسان قادة عسكريين إيرانيين على نحو ما جاء على لسان أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي»، في مطالب وجهها إلى الحكومة والبرلمان العراقيين، علناً، وعبر وسائل الإعلام في خطاب الاحتفال المركزي ل «الحشد الشعبي» بالانتصار في الموصل التي يمكن وصفها ب«خريطة طريق عملية» هدفها «ترسيخ الحشد كمؤسسة عسكرية وأمنية رديفة للجيش العراقي»، لكن أخطرها جاء على لسان قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني، وقال فيها إن «(قوات الحشد الشعبي) تحولت إلى (جيش حزب الله) بعد التحاق (الحشد الشعبي) بالجيش العراقي».
كلام سليماني يكشف الرؤية الإيرانية «للحشد» بأن يكون «حرساً ثورياً عراقياً»، يصول ويجول في شؤون الحكم والسياسة، ويرتكز على «فتوى» مغلوطة جرى تحميلها زوراً للسيد السيستاني الذي لم يطالب إثر اجتياح «داعش» للموصل والمحافظات الشمالية بتأسيس «الحشد الشعبي». كل ما بادر به السيد السيستاني هو «فتوى شرعية» يوم 13/6/2014 ب«وجوب الجهاد الكفائي» بمعنى أن من يتصدى له وكان فيه الكفاية بحيث يتحقق الغرض وهو حفظ العراق وشعبه ومقدساته يسقط عن الباقين.
وكم كان لافتاً أن وكيل السيد السيستاني الشيخ عبد المهدي الكربلائي تجاهل تماماً، ولم يذكر «الحشد الشعبي» بالاسم في خطبة الجمعة 30 يونيو 2017، أي بعد نصر الموصل مباشرة، عندما قال إن «صاحب الفضل الأول والأخير في هذه الملحمة الكبرى التي مضى عليها اليوم ثلاثة أعوام هم المقاتلون الشجعان بمختلف صنوفهم ومسمياتهم من قوات مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية وفرق الجيش العراقي البطل، والقوة الجوية وطيران الجيش وفصائل المتطوعين الغيارى وأبناء العشائر العراقية الأصيلة، هذه الملحمة العظيمة التي سطروها بدمائهم الذكية وتضحياتهم الكبيرة، وهم الأحق من الآخرين، أياً كانوا، برفع راية النصر النهائي».
كلام واضح، وصريح، ينزع أي ادعاء بارتكاز تأسيس «الحشد» على فتوى شرعية للسيد السيستاني على النحو الذي يزعمه الخزعلي الأمين العام لما يسمى ب«عصائب أهل الحق» بأن» الحشد» «تشكّل بفتوى المرجعية الدينية». كما أنه يضاعف من مسؤولية حيدر العبادي في مواجهة انفلات متوقع «للحشد» بعد معارك تلعفر. –
82 3 دقائق