فور انطلاق عملية الجيش اللبناني ضد « داعش » السبت الماضي كان رئيس الجمهورية ميشال عون حاضراً في غرفة العمليات المركزية. وبعد تقدُّم الجيش في معظم الأراضي التي يحتلها التنظيم الإرهابي زار رئيس الحكومة سعد الحريري أمس بلدة رأس بعلبك القريبة من ميدان القتال.
الجيش هو القوة الرئيسية للدولة اللبنانية، يتلقى أوامره من مجلس الوزراء بواسطة وزير الدفاع، ويعتبر رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لمجلس الوزراء. هكذا نص دستور «الطائف». وبذلك يكون توافق القوى السياسية في الحكومة المرجع لعمليات الجيش، وهذا ما يحدث حالياً وتعبّر عنه المواقف الإيجابية لرئيسي الجمهورية والحكومة ومعهما رئيس البرلمان وسائر اللبنانيين.
جيش دولة ديموقراطية قائمة على تعدُّدية طائفية، هي التي تحدّد تحركاته الأمنية الكبرى. وحين يعلن الجيش في نهاية عملياته تحرير جرود رأس بعلبك والقاع من احتلال «داعش»، يتأكد الانفراج الأمني، خصوصاً في منطقتي البقاع والشمال، وتبتعد أيدي الإرهاب وأنفاسه التي تغري شباناً لبنانيين بالانضمام إليه، وتبقى الخلايا النائمة عاجزة أمام شعب ودولة ومقيمين ونازحين، لأنهم جميعاً يجدّدون تمسُّكهم بالسلام الداخلي على رغم الاختلاف السياسي.
كبار الإقليم والعالم يراقبون عمليات الجيش، والسفارات في بيروت تتواصل مع القيادات السياسية والعسكرية وبعضها يطمئن إلى آليات الجيش وأسلحته وذخائره. الوضع دقيق، خصوصاً من الناحية السياسية، فثمة إعلان لبناني يتكرر بأن الجيش وحده يقاتل في جرود رأس بعلبك والقاع ولا تنسيق مع الجيش السوري و «حزب الله» اللذين يقاتلان في المقلب الآخر السوري من الأرض التي يحتلها «داعش». الوضع دقيق، و «داعش» تعرّض ويتعرّض لهزائم في العراق، وعاصمته مدينة الرقة السورية مهدّدة. صار واضحاً تقلّص نفوذه في المشرق العربي لذلك يعبّر عن غضبه بضربات إرهابية في أنحاء عدة في أوروبا. «داعش» عدو العالم، وطبيعي أن يكون عدواً مجمعاً عليه في لبنان، والجيش في عملياته الراهنة لا يتعارض مع العلاقة اللبنانية الحسنة مع قوى إقليمية ودولية ذات مواقف متناقضة. الوضع دقيق ايضاً. لا تنسيق مع الجيش السوري و «حزب الله» بالمعنى السياسي، ولكن، لا أحد يصدّق عدم التنسيق عسكرياً في معركة ذات ميدان واحد. ما يحدث هو شأن غير سياسي، في مهمة محدّدة هي الحرب على «داعش» في المنطقة حيث يحصل القتال.
وعمليات الجيش حين تنتهي بتحرير تلك الأرض اللبنانية لن تؤثر في التوازنات السياسية، لأنها تتم في إطار هذه التوازنات بالذات. بهذا المعنى، لا مجال للتشبُّه، ولو جزئياً، بجيوش سورية ومصر والعراق، حين انقلب حسني الزعيم على الحكم السوري المدني عام 1949 وأقام دولته العسكرية البائسة متذرّعاً بحرب فلسطين. وللسبب نفسه أسس جمال عبدالناصر وعدد من رفاقه الضباط تنظيماً انقلب على الحكم المدني ليتكرّس نظام شبه ديكتاتوري يسيطر العسكريون على مؤسساته الرئيسية. ووصلت العدوى إلى العراق حيث انقلب الضابطان عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف على الحكم المدني لتبدأ معاناة الشعب تحت وطأة ديكتاتوريات متلاحقة.
لا وجه للشّبه، فالجيش اللبناني، على رغم خضوعه لإمرة طبقة سياسية مرتبكة، وربما بسبب هذا الخضوع، يشبه جيوشاً متمدّنة لحكومات متمدّنة تحكم شعوباً متمدّنة.
الجيش و «داعش» هما النقيضان الجوهريان. وقد عجز التنظيم الإرهابي عن احتلال مزيد من الأراضي اللبنانية، لأن الجيش يتبع دولة مدنية، فيما نجح في سورية والعراق بسبب فراغ يخلفه الحكم الاستبدادي وانهيار المجتمع المدني.
الوضع دقيق. لا تنسيق مع الجيش السوري و «حزب الله». هذا يعني سياسياً السلامة المبدئية للحكم المدني، وتركيزاً على استقلال لبنان الذي طالما تعرّض لضربات موجعة من ميليشيات وأتباع دول. الوضع دقيق. لكن دول العالم والإقليم تعرف تفاصيل ما يحدث، وتلتقي، على رغم خلافاتها العميقة، عند نقطة جامعة: استقلال لبنان.