نون والقلم

شرعنة القتل وإدانته

عدد المسلمين في أوروبا، يصل الى خمسين مليون، في بعض التقديرات، واغلب هؤلاء هاجروا، لاعتبارات اقتصادية، او بسبب الحروب والاضطهاد في بلادهم، وحين تقع حادثة قتل او تفجير، مثل حوادث اسبانيا، يثور النقاش، مثل كل مرة، حول شرعية دوافع من يرتبكون هذه الأفعال.

مازلنا نسمع ، تأويلات من باب ان الغرب يحارب المسلمين، ويقتلهم في سوريا والعراق ودول أخرى، وان من الطبيعي الانتقام بذات الطريقة، أي قتل المدنيين بطريقة عشوائية، وبأستعمال أي أداة متاحة، سواء كانت تلك الأداة سلاحا ناريا، او عبوة ناسفة، او سكينا، او مداهمة بشاحنة، دون تمييز بين جنسيات الضحايا.

هذا الرأي حصرا، رأي خطير، لان أصحابه، يصرون هنا، على ان يرتكبوا  عدة حماقات معا، اذ مع تشويه سمعة الإسلام والمسلمين، في العالم، يتم اثارة الشكوك حولهم، في الدول التي يعيشون فيها، وهذا يفسر ارتفاع جرائم الكراهية في كل مكان، والذي يقتل في اسبانيا، ثأرا للمسلمين مثلا في سورية، او غيرها، او تلبية لنداءات من قادة تنظيمات، لايدرك انه يجلب اللعنات، على ملايين المسلمين في كل مكان، خصوصا، انه لايمكن ان نواصل الترويج للفكرة التي تقول ان هذا نفر قليل بين المسلمين، وان بقية المسلمين، ليس لهم علاقة بهذه الجرائم، فالتعميم وصناعة صورة انطباعية سيئة عن المسلمين، يجري بأيدينا، للأسف الشديد، وبتعمد من الاعلام الغربي، حصرا.

كما ان الزاوية الأخطر، تتعلق بذات الإسلام، لان كل التحليلات الغربية، تقول ان الجذر الفكري الذي يحرض هؤلاء على ارتكاب الجرائم، جذر فقهي، موجودة اسانيده في بعض الكتب، والمدارس المتشددة، وبرغم الرد الذي يقال لهؤلاء، بان المسلمين ذاتهم يعانون من التشدد، وان التنظيمات ذاتها ارتكبت جرائم ضد المسلمين تحت مبررات مختلفة، وان الإسلام يحوي عدة مدارس، وهناك مدارس متسامحة، الا ان الغرب، لم يعد يقف عند هذه التأويلات، وبات يصر على ان المشكلة في ذات الإسلام، وليس في مظاهره، او بعض ماينتج عن تأويلات فقهية، تبيح هذه الجرائم.

في الأساس، فأن كل المسلمين في أوروبا، هربوا من جهنم بلادهم، لكن ملاحقتهم اليوم تجري بطريقة مختلفة، اذ ان وضعهم في دائرة الشك والارتياب، من جانب الغرب، سيؤدي بالضرورة الى جعل حياتهم صعبة، ومغادرة كثيرين منهم، لتلك الدول، والمفارقة ان هذه التنظيمات، تريد من المسلمين في الأساس، هجر تلك الدول بأعتبارها «ديار كفر» والعودة الى «ديار الايمان» ولايفهم هؤلاء ان المسلمين في الغرب، هربوا في الأساس من «ديار الايمان» بعد الذي رأوه من غياب للايمان المتمثل بغياب العدالة، وغياب الحقوق والواجبات، والفقر، وغير ذلك، وذهبوا الى «ديار الكفر» التي قدمت لهم كل شيء، ولم تعتد في الأساس على معتقدهم الديني.

مايقال اليوم، امام هذا المشهد، ان من ينفذون عمليات في الغرب، يؤذون المسلمين، مثلما يؤذون مواطني تلك الدول، ويشوهون سمعة الإسلام في العالم، واذا كان برأي هذه الجماعات ان الغرب ينفذ عمليات عسكرية، تؤذي المدنيين المسلمين في دولهم، ولابد من الثأر من المدنيين في تلك الدول، فأن هذا الرأي بحد ذاته ثأري، ولايجوز أخلاقيا، ان يتم إيذاء الأبرياء من شعوب العالم، وارتكاب ذات الخطأ الذي تدعي الجماعات، ان الغرب يرتكبه بحق المسلمين، في كل مكان، فمن فوض هؤلاء للنطق باسم كل المسلمين؟.

اكبر كارثة يتعرض لها الإسلام اليوم، هي ان أبناء الإسلام ذاته، تحولوا الى منفرين من الإسلام، بهذه الطريقة، فالغرب لايفهم، كيف ان مواطنا اسبانيا، من جذور عربية، ومن الجيل الثالث، ينقلب فجأة ويقرر حرق البلاد التي حمت اجداده، ولايفهم أيضا، كيف لشخص جاهل علميا، ان يتأثر بدعوات الكترونية، من مرجعيات، تأمره بالانتقام من الغرب، دون تفكير ودون تأويل ودون أي مراجعة، للكلام الذي يتم بثه عبر وسائل كثيرة.

لكننا نقول نهاية، ان على الغرب واجب أخلاقي، يتمثل بحل جذور الإشكالات مع المنطقة، بدلا من رد الفعل، إضافة الى ضرورة حض الكل، على تجنب التعميم، ضد المسلمين، لان تعميم هذه الجرائم، على كل سمعة المسلمين، والإسلام أيضا، سيأتي الغرب، بمن تستثار اعصابهم، ويتورطون بجرائم من باب الرد، وهذا يعني ان كل المشهد، دقيق وحساس، ولايمكن لهذه الظاهرة ان تتوقف، بتوجيه اللوم الى المسلمين وحسب، بل لابد من حل ثنائي، يعترف فيه كل طرف، بما عليه من مسؤوليات.

اكثر من مليار ونصف المليار مسلم، في العالم، ليسوا دمويين، ولامجرمين، وهذا النفر القليل الذي يرتكب هذه الجرائم، هو نتاج عوامل كثيرة، دون ان ننسى ان هذا نفر يستحق التجريم بكل الأحوال.

نقلا عن صحيفة الدستور الأردني

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى