المقاييس والموازين والأهداف والوسائل، مختلة لدينا اختلالا مريعا فظيعا، هيهات أن نتمكن من تعديلها. فنحن عندما تقع مصيبة، نكون بين متفرج ومتابع لا يفعل سوى اظهار التأسف والاستهجان، وبين موافق مبتهج لا يتورع عن اظهار التأييد والتبرير، وبين هذا وذاك، من جماعة «ما دخلني» او من القاعدين المسترخين، ملتهمي الفوشار /البشار والمكسرات و»الجنك فود»، حزب الكنبة.
إذا كان رسولنا وهادينا يقول لنا: «وتميط الأذى عن الطريق صدقة» (رواه البخاري ومسلم). فبمن يقتدون وبمن يهتدون، الإرهابيون الذين يأمرون، والأدوات العمياء الذين ينفذون استباحةَ الطريق وسحقَ وإعدامَ من عليها من أبرياء، في فرنسا وبريطانيا واسبانيا، وغيرها من بلاد الله الواسعة، دون معرفة أعمار ضحاياهم او مهنهم او اتجاهاتهم السياسية او مراتبهم العلمية او اعراقهم او دياناتهم، مخالفين بذلك ومنتهكين قولَه تعالى: «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا».
كانت أثينا تماثل عمّان والرباط وبيروت ودمشق وبغداد، في دعمها للقضايا العربية العادلة، وخاصة قضية الشعب العربي الفلسطيني، الى أن القى -في الثمانينات- احد الثورجية قنبلة بيد مرتجفة، على مكاتب شركة الطيران الإسرائيلية -العال- في أثينا، فارتدت القنبلة عن جدار المكاتب وانفجرت في الشارع العام واودت بحياة طفل في الثانية عشرة، فهاجت اليونان كلها، إعلامها واحزابها وجمعياتها وبرلمانها وجامعاتها ومزارعوها وتجارها وبحارتها، وألحق ذلك الفعل الغبي الطائش، ضررا مجانيا بالغا بالقضية الفلسطينية.
الجرائم التي يرتكبها الارهابيون المتطرفون المسلمون، تشوّه صورة الإسلام، الذي اعتبر اماطة الأذى عن الطريق صدقة، وهاهي وصية أبى بكر الصديق لجنوده التي تمثل رحابة الاسلام: « لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمآكلة…».
جرائم الإرهابيين تنزع الثقة فينا وفي أبنائنا المهاجرين وفي طلابنا وفي تجارنا وفي سياحتنا، وتجعل العالم، الذي يمد ايادي العون السخية لنا، تجعله هذه الجرائم المروعة، ضدنا، يشيح بوجهه عنا ويدير ظهره لقضايانا العادلة ويتجه الى عدونا.
تجد عصابة داعش الإرهابية، من يسوغ لها جريمة برشلونة وكل جرائمها، ويرد بعبقريته الخارقة، أسباب تلك الجرائم، الى «الاستعمار الغربي الذي صنع داعش».
لقد اختلت المقاييس والموازين والاهداف والوسائل، فاصبحت ثورة الربيع العربي على أنظمة الطغاة والفاسدين، مؤامرة. وأصبحت المؤامرة على ثورة الربيع العربي، ثورة.
حتى نظام الطغيان المتوحش الكوري الشمالي، الذي لا يضاهيه نظام في وحشيته وفساده، لا في الاولين ولا في الاخرين، يجد له أنصارا يدافعون عنه في صفوفنا، بحجة انه لا ينحني للامبريالية الأميركية، وان الكرامة اهم من الأرز ومن الحريات!!.
التنظيمات الإرهابية المتوحشة، التي فجرت فنادقنا وفجرت في كل العالم، واعدمت ميدانيا، على الهوية الدينية والمذهبية والعرقية، لها مؤيدون ومريدون ومبررون لجرائمها الوحشية.
الشهداء الأردنيون الذين ارتقوا دفاعا عنا لم يترحم عليهم خطباء عدد من المساجد ناهز ال 200 خطيب، فوجدوا لهم بيننا من يدافع عنهم، بذريعة ان مذهبهم لا يسمح لهم بهذه الطقوس. يا اخي مذهبهم لهم، لا ننازعهم إياه، فلماذا يحرمون المصلين من اجر الترحم على أبنائهم، شهداء الحق والواجب.
جرائم النظام العربي، ما قبل الانتفاضات الشعبية المجيدة التي اختطفها الفلول، كان لها مسوغون ومبررون، كما هو الحال اليوم، وكأنّ على الناس ان تكون مع وحوش ضد وحوش. فجرائم نظام الطاغية معمر القذافي-مثلا-، كان لها مبررون وما يزال، دافعوا ويدافعون عن طيشه واستعراضيته وخيلائه وجنونه.
أما على مستوى العالم، فلا تتم أيضا، مساواة القاتل الاسرائيلي الارهابي، بالقتيل الفلسطيني، بل تُسبَغُ على المجرم اوصافُ الضحية. ويتم تبرير جرائمه والاغضاء عنها، وتتم تبرئته منها، في حالة نفاق مشين على مستوى العالم.
وتجيء جريمة برشلونة الرهيبة في ظروف يتعاظم فيها تفهم الإنسانية لعدالة القضية الفلسطينية، وانكشاف وانفضاح وحشية الاحتلال الإسرائيلي التوسعي الاستيطاني، على أوسع نطاق.
جرائم الإرهابيين، الذين يتلطون باسم «دولة الخلافة الإسلامية»، لن تتسبب في انهيار اية دولة، لا فرنسا ولا مصر ولا تركيا ولا اميركا ولا بريطانيا ولا اسبانيا، جُل ما تفعله، انها تسيء الينا وتخدم عدونا بما لا يقدر بثمن.
54 2 دقائق