نون والقلم

هل سينفجر العالم ويشهد حرب نووية لا تبقي ولا تذر؟

مرة ثانية تتصاعد الأزمة الكورية الشمالية لدرجة خطيرة تتبادل فيها رسائل المواجهه بشكل صريح ، فما بين ترامب الرئيس الأمريكي الذي قال أن كوريا قد تواجه ردا من « نار وغضب » إلى تصريحاته بأن الخطط العسكرية لتّدخل في كوريا الشمالية قد وضعت بشكل كامل  وبين كوريا الشمالية التي تقول بأنها ستضرب جزيرة « غوام »  الأمريكية و تتحدث عن ارسال رسائل صاروخية الى قرب الجزيرة توكد بها قدرتها و جديتها في توعدها للولايات المتحدة  .

مجلس الأمن كان قد أتخذ مؤخرا قرار بتشديد العقوبات على كوريا الشمالية على خلفية تجربة كورية لصواريخ عابرة للقارات و هي صواريخ ذات أمديات لم تسجل ضمن القدرة الصاروخية لكوريا الشمالية من قبل ، و رأى المجتمع الدولي في ذلك إنتهاك لقرارات أممية سابقة بهذا الشأن أستوجب العقوبات .

أكثر المستنفرين في هذا الجانب هي الولايات المتحدة الأمريكية لإعتبار أنها المعني الأول  بالتصدي للسعي الكوري الشمالي لتطوير قدراته النووية و الصاروخية ، و لأن السجال الكوري يركز على الولايات المتحدة باعتبارها الخصم الأول لكوريا الشمالية ، كما أن الولايات المتحدة ترى أن تطوير القدرة الصاروخية لكوريا قضية مزعجة تفوق حتى التطوير النووي بإعتبار أن التطوير الصاروخي هو الذي سينقل التهديد الكوري من تهديد لحلفاء الولايات المتحدة الى تهديد للولايات المتحدة ذاتها ، فالصواريخ الحاملة العابرة للقارات هي التي ستنقل الروؤس النووية الى الأراضي الأمريكية ، لذلك فقد كان للولايات المتحدة خطوات منفردة في إتجاه السجال مع كوريا الشمالية من تجارب صاروخية أمريكية على خلفية الأزمة الأخيرة مع كوريا الشمالية إلى إعتزام إعلان عقوبات أمريكية خاصة على كوريا الشمالية قالت بأنها ستكون موجعه .

روسيا كدولة معنية بالملف الكوري الشمالي موقفها تجاه تطوير كوريا لترسانتها النووية و الصاروخية هو موقف المجتمع الدولي لكنها تفرق بين الموقف تجاه التطوير و الموقف تجاه النزوع الأمريكي للتصرف تجاه كوريا بصورة منفردة و المقصود هنا هو التلويحات الأمريكية بالتدخل العسكري في كوريا الشمالية ، وكان بالإمكان أن يلعب الدور الروسي بفاعلية أكثر لولا حالة توتر العلاقة الأمريكية الروسية بشكل كبير مؤخرا وعلى ذات خلفية العقوبات الأمريكية ضد روسيا ما مثل عائقا أمام إمكانية إستفادة الولايات المتحدة من مساعدة روسية في الشأن الكوري الشمالي لإعتبار الموقف الواحد لهما من التطوير الكوري الشمالي لقدراته النووية و الصاروخية .

الصين الفرصة الأوسع للولايات المتحدة للتعامل مع الملف الكوري الشمالي هي كذلك تتبنى نفس موقف المجتمع الدولي تجاه تطوير كوريا الشمالية لقدراتها النووية و العسكرية لكن حالها هو ذات الحال الروسي وبصورة أشد تجاه التفريق بين الموقف تجاه التطوير و الموقف تجاه التدخل الأمريكي بقرار منفرد ضد كوريا الشمالية ، و كان تصريح الصين بأنها لن تساند كوريا في حال كانت هي البادئة بضرب أمريكا وهو كلام يحمل رسالة  بأنها ستقف في مساندة كوريا في حال العكس أي إذا بدأت الولايات المتحدة بضرب كوريا الشمالية ، ومع ذلك لازالت الولايات المتحدة تؤمل و تنسق مع الصين لمحاولة فتح طريق للتفاهم مع كوريا الشمالية للتخلي عن طموحاتها النووية و الصاروخية .

ليست المرة الأولى التي يزبد و يرعد فيها ترامب تجاه كوريا الشمالية فقد سبق و فعل ذلك بعد ضربته لمطار الشعيرات السوري بقرار منفرد محاولا البناء على القرار بإتجاه سوريا كرسالة بالجدية الأمريكية التي ستستخدم بحق كوريا و حاول أن يدعم هذه الفكرة بتوجيهه حاملة طائرات أمريكية بإتجاه شبة الجزيرة الكورية ، لكن منيت تلك المحاولة « الترامبية » بالفشل بل إنعكست على الولايات المتحدة سلبا خصوصا وأن الإدارة الأمريكية حينها لم تجد منفذ لتقليل من التوتر غير إدعاء ان  حاملة طائراتها « تاهت »  بالقرب من شبه الجزيرة الكورية  وانها لم تكن متوجهه الى هناك كرسالة عدائية لكوريا الشمالية على غير كل التصريحات الأمريكية في بداية الأزمة حينها .

هذه المرة لا تزال المواقف الدولية المحيطة بالملف الكوري الشمالي هي ذاتها التي صاحبت الأزمة الأولى فليس هناك أحد يقف في صف  ترامب  أو بالأصح في صف « تصريحات ترامب » الملوحة بالنار والغضب ، فبريطانيا تتحدث عن العمل على حل دبلوماسي و مثلها فرنسا التي تحذر من تصاعد الأزمة مع كوريا الشمالية، و اليابان و كوريا الجنوبية أيضا غير متحمستان بل يبدوان معترضتين على أي تدخل عسكري ضد كوريا الشمالية ، روسيا تبدي موقفا أكثر برودا من الأزمة الأولى تجاه الضغط على كوريا الشمالية ، كما تبدي الصين موقفا أعلى في رفض التلويحات « الترامبية » العسكرية .

كل الحديث « الترامبي » عن التعامل مع كوريا الشمالية « بنار وغضب » و ما صاحبه من حديث جهوزية خطط الضربة و كذا التجربة الصاروخية الأمريكية هو ذاته الذي أبداه ترامب في بداية الأزمة للمرة الأولى وبالتالي لايمكن تحميله أكثر مما حمل المرة الأولى و لايجب النظر اليه كموشر جدي لنوايا أمريكية لتوجيه ضربة عسكرية لكوريا الشمالية ، ومع ذلك تتميز هذه المرة بمظهرين الأول تمثل في نشر اليابان منظومة دفاع مضادة للصواريخ و الثاني أن هذه المرة دخل في الأمر صواريخ كورية شمالية اعترفت الولايات المتحدة نفسها انها «عابرة للقارات».

نشر اليابان لمنظومة صواريخ دفاعية هو إنعكاس لاستيعابها ان الازمة هذه المرة اكثر خطورة من المرة السابقة و ان الولايات المتحدة باتت تشعر بتهديد اعلى و انها في موقف يحتاج تصرف و هي تحتاط تجاه اي تصرف بما فيه التصرف المتطرف و الأبعد احتمالا وهو إنفجار الموقف عسكريا ، اما  دخول صواريخ ذات أمدية أطول – عابرة للقارات –  الخدمة ضمن القدرة الصاروخية الكورية الشمالية فهو امر بالفعل يضغط على الولايات المتحدة للتصرف تجاه الملف الكوري الشمالي بشكل أكبر من ضغط التجارب الصاروخية الكورية التي قامت بها كوريا المرة الاولى .

مع هذين المظهرين الجديدين في الأزمة الكورية إلا أنه لايمكن الترتيب عليهما الإندفاع الأميركي لتوجيه ضربة لكوريا الشمالية لثلاثة أسباب أولها انه لازالت المواقف الدولية تجاه التعامل مع الملف الكوري هي ذاتها في الازمة الاولى ولم تتمكن الولايات المتحدة من جذب اي دولة الى تبني موقف ترامب المتوعد بالنار والغضب و ثانيها ان ردت الفعل الكورية لازالت مفتوحه على احتمال احتفاظ كوريا الشمالية بالقدرة على الرد بمعنى ان الولايات المتحدة لا تضمن ان ضربتها ستتمكن من شل قدرة  كوريا الشمالية على الرد و الرد مفتوح على كل الاحتمالات بما فيها السلاح النووي وهو امر لا يسمح بادنى قدر من المجازفة و لايمكن ان تقدم الولايات المتحدة في ضله على ضرب كوريا الشمالية الا اذا كان احتمال القدرة الكورية على الرد  هو ( صفر ) وهو ما لا تضمنه الولايات المتحدة على الاطلاق ، و ثالثها هو التبعات الدولية و العالمية  التي ستترتب على توجيه ضربة لكوريا في ضل الموقف الروسي الرافض لمثل هكذا عمل و الموقف الصيني الاشد رفضا و الذي يرى اي تدخل عسكري امريكي ضد كوريا الشمالية لعبا امريكيا داخل المنطقة الصينية و الملوح بانه لن يقف على الحياد في حال ان الولايات المتحدة هي البادئة بضرب كوريا الشمالية ، وهو امر يجعل احتمالات التبعات في اعلى مستوياتها بالتسبب في انفجار عسكري عالمي .

تضل التلويحات «الترامبية » و توعداته لكوريا الشمالية هي مظهر لدرجة الخطورة التي تقدرها الولايات المتحدة للمستوى الذي وصلته القدرات الكورية الشمالية او لنقل تعبير امريكي عن « سخط » تجاه مواصلة كوريا السير في مشوارها لكنها لا تمثل مطلقا في ضل العوامل السالفة مظهر لتوجه امريكي جدي للتعامل مع الملف الكوري الشمالي بالقوة العسكرية ، وليس لها امام الازمة الحالية غير ما كان امامها في الازمة الاولى من التعويل على الصين لايجاد مخرج للازمة الكورية تقدم فيه الصين نيابة عن الولايات المتحدة من تحت الطاولة  المزيد من صور « التشجيع » لكوريا الشمالية « للتفاهم » حول مسألة قدراتها النووية و الصاروخية .

وتضل الازمة الكورية بركان عملاق معرض للانفجار خصوصا في ضل حالة المنافسة الدولية الحادة في كثير من الملفات الدولية والتي قد تدفع بالملف الكوري الشمالي للخروج عن السيطرة و انفجار البركان على روؤس الجميع ، لكن لحد الان لازال الامر تحت السيطرة .

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى