نون والقلم

هل فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد؟

كان هذا المشروع يرمي إلى تقسيم البلاد العربية، وفق العرق والدين والمذهب، متستراً بستار الديمقراطية وحقوق الإنسان، ونشر ثقافة السلام، وحفظ حقوق الأقليات، في إطار من مبادئ العولمة التي تتستر أيضاً بالمحافظة على الهويات الوطنية، ولا تفصح عن مراميها الاقتصادية وسيطرة الشركات العابرة للقارات. والمشروعان مرتبطان متداخلان يهدفان إلى الإبقاء على دول العالم الثالث أسواقاً للرأسمالية الغربية، وهذا يتطلب إعاقة عجلة الإنتاج والاكتفاء الذاتي، وإلهاء الشعوب بقضايا جانبية، تحارب بعضها بعضاً باسم الدين والعرق والمذهب، ولا تنتهي إلا بانتهاء مقدراتها وإمكانياتها وثرواتها ومواردها الطبيعية والبشرية.

منذ إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين بمساعدة القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والجمهورية الفرنسية، ومشروع الشرق الأوسط الرامي إلى تفتيت شعوب المنطقة والعبث بجغرافيتها قائم في أذهان المفكرين وصناع السياسات في الغرب الديمقراطي. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، ودخوله في اللعبة الرأسمالية والديمقراطية، أصبح لروسيا، وارث الاتحاد السوفييتي أكثر من دور على صعيد الجمهوريات الناشئة، وعلى صعيد العالم الثالث، وتشكلت لديها مصالح متصارعة مع مصالح الغرب، وهو الإرث ذاته خلال الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي. وباختصار، توجهت أنظار الدول الكبرى، الشرقية والغربية، إلى العالم العربي، بصفته يسبح على بحيرات هائلة من النفط والغاز الطبيعي، وهما الطاقة المسؤولة عن استدامة العالم الصناعي في مسيرته، وأصبح الصراع بين الشرق والغرب على تحديد المصالح وتوزيع الخيرات، أكثر من الوقوف إلى جانب الحق والشرعية الدولية، ولهذا، وبنظرة استخلاصية يمكننا القول، إن القضية الفلسطينية كانت أكبر الخاسرين، إلى جانب دول العالم العربي التي غرقت في مقاومة مشروع الشرق الأوسط الجديد، وفي دفاعها عن أنظمتها وزعاماتها التقليدية.

إن نظرة شاملة إلى الجغرافية السياسية في العالم العربي، شرقه وغربه، تشير إلى أن المشروع آخذ في التطبيق، ولننظر معاً إلى السودان كيف تحول إلى دولتين، وإلى ليبيا وهي تتحول إلى ثلاث دول، وإلى العراق وهو منقسم على ذاته مع بوادر نشوء دولة كردية، حسب مخطط خريطة الدم، ولننظر إلى اليمن. ولننظر إلى سوريا، التي على الرغم من بيانات الانتصار التي يعلنها النظام، فإن أراضيها أصبحت تحت رحمة تركيا من جهة، وروسيا من جهة ثانية، والولايات المتحدة من جهة ثالثة، وقوى التطرف من جهة رابعة، والنظام من جهة خامسة. لننظر إلى مصر ومعاناتها اليومية مع المتشددين الذين يسيطرون على مساحات لا بأس بها من سيناء.

ولننظر إلى الخلافات التي نتجت عن الحراك المشبوه في العالم العربي، والذي طال دول مجلس التعاون الخليجي، التي ظلت مستقرة لثلاثة عقود حققت خلالها مستويات عالية من التنمية، واضطرت دول مثل السعودية والإمارات والبحرين إلى التحرك الحاسم لوقف التهديدات التي تشكلها السياسات القطرية، والتي، كما يبدو كانت مساهمة بحصة كبيرة في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، عن طريق خلق الفوضى في الدول ذات النفوذ، ولا تزال متمسكة بسياساتها بإيحاءات خارجية، ولننظر إلى المملكة المغربية التي بدأت فيها الاضطرابات وتهدد بتوسيعها، ناهيك عن لبنان الذي يعاني منذ أكثر من ثلاثين عاماً تبعات الحرب الأهلية، ولننظر إلى فلسطين المنقسمة قبل استقلالها إلى كيانين، كل كيان يدعي الوطنية وتمثيل الشعب الفلسطيني.

بعد كل هذا، هل يمكن القول إن مشروع الشرق الأوسط الجديد قد فشل؟

لن نمارس سياسة دفن الرؤوس في الرمال كالنعام، ولن نتبجح سياسياً ولا اقتصادياً، فقد خسر العرب في المجالين ما يكفي لبناء دول بأكملها، وإعادة البناء تتطلب طرح مشروع عالم عربي جديد، يتجاوز الخلافات، ويخدر الفتنة الدينية تمهيداً لقتلها، ولا يعتمد على الآخرين، ولا يتحالف إلا مع مكوناته، ويفرض الوحدة الفلسطينية بالقوة إذا لزم الأمر، ويضع استراتيجية سياسية عقلانية، فلا ينفذ سياسات أحد، ولا يكون وكيلاً عن أحد في الصراعات، وأن يناقش قضية التكامل، ويتم تفعيل الاتفاقيات الموؤودة، وأن يحيي الروح العربية في المناهج التعليمية بعد أن بدأت تطفو الشخصية غير العربية على ملامح الأجيال الصاعدة.

لقد نجح مشروع الشرق الأوسط الجديد ولو بشكل نسبي بسبب فشل مشروع العالم العربي الجديد، أو غياب التفكير فيه نظراً لتغليب المصالح الشخصية على الصالح العام. ولو استمرت السياسات الحالية فإن مقولة (أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض) ستنجح اليوم أو يوم غد أو بعد غد، فعيون الثعالب على الكروم والبساتين، ولا بد من حراس أشداء يدفعون خطرهم.

نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى