ما يمارسه تنظيم الحمدين في قطر، ونقصد بالحمدين حمد بن خليفة وحمد بن جاسم، على رغم غيابهما رسمياً عن المناصب، يشبه تماماً ما يفكر به ويخطط له الانتحاري، الذي يظن أن العملية التي سينفذها ستلحق الهزيمة بالعدو.
لا أجد في حقيقة الأمر الكثير من الفروقات، ذلك أن التهور هو السمة المشتركة، نبدأ بحداثة التجربة لدى الانتحاري، والعمر كما نعلم هو شرط ضرورة، إذ إن نسبة المراهقين بين الإرهابيين عالية. في حكومة قطر نجد نفس الصورة، حيث المراهقة السياسية واضحة كالشمس من خلال السلوك والتوجهات والمعاملات. الاضطراب النفسي مهم وجوده في الشاب المرشح للانضمام إلى الخلايا الإرهابية. الإرهابي في العادة شاب لا يجد القبول كثيراً، ويفتقد لعوامل الكاريزما التي تميزه وتجذب له الأصدقاء المعجبين بحضوره وحديثه.
عندما يتم اختياره يشعر بالأهمية ويلتصق بالمجموعة التي رفعت معنوياته، في حالات أخرى قد ينضم لهذا العمل شاب فاسد يلجأ للصوصية، وينوي التوبة.
حكومة قطر تملك نفس الصفات، حمد بن خليفة كرئيس دولة يعتبر شخصية بلا أي كاريزما، ولم يتمكن من إكمال تعليمه، ولا يجيد التحدث بوضوح. إضافة إلى ذلك، وربما لهذه الأسباب وغيرها، فقد انقلب على والده ورمى جانباً كل معاني البر بالوالدين والقيم الإنسانية، وأصبح همه الوحيد هو البروز والبحث عن الأدوار الكبرى.
أما حمد الآخر فهو ممن يملك صفة المراوغ، وشخصيته مناسبة جداً لتطلعات حمد الأول. شاءت الصدف أيضاً أن اطلعت على ملف ضخم يشرح قصة غريبة بالفعل هو بطلها، حمد بن جاسم سبق وأن تقدم بمشروع تطوير عقاري في منطقة الأحساء في السعودية، يستهدف بناء مساكن لمنسوبي التعليم هناك. دخل هذا الاستثمار وهو في العشرينات من عمره، واستلم العربون المالي ممن تقدم من المدرسين ومنسوبي التعليم للرغبة في امتلاك المنازل، لكن المشروع لم يقف على ساقيه. سأحاول تقصي التفاصيل الكاملة لهذا المشروع ومسببات فشله، ولماذا لم تعد الأموال إلى المساهمين قبل أن نتهم أحداً بالهرب من المسؤولية والأمانة.
القناعة لدى الشاب المتطرف تبدأ بمرحلة التراكم «المعرفي» بعد استيعابه للكثير من الدروس والنصوص المبتورة من أسياده، إلى الحد الذي يرى نفسه أكثر علماً من غيره، وبالتالي أقوى وأكثر تأثيراً، يتأثر هذا الشاب في ما بعد برؤسائه وأمرائه وينصاع لأوامرهم كالأعمى، لأن ابتعاده عنهم يعيده إلى شخصيته القديمة تلك. حكومة قطر تعرضت لحالة مشابهة، فقد حصلت على المال من مبيعات الغاز بسرعة، كما هي حال تاجر الحرب، وتصورت أن باستطاعتها فعل أي شيء بتوظيف هذا المال.
جلبت «الإخوان المسلمين» وخططهم التي راقت كثيراً لهذه الحكومة، وأضافت لهم بقية سقط المتاع من فلول أحزاب الستينات البائدة كعزمي وغيره، ومنحتهم المنصب والسكنى والأمن والثقة، ثم انبطحت لآرائهم من دون أي اعتبار لمخاطر هذه الآراء.
حتى في حالات المواجهة والمناصحة تنطبق نفس المواصفات، يتم الكشف عن المتهم بدعم الإرهاب ويبدأ التحقيق والعقاب ثم المناصحة، ويخرج منها في الغالب تائباً. في الحال القطرية خرجت التسجيلات وتم «التحقيق» مع المسؤولين في الحكومة وبالجرم المشهود، وتمت «المناصحة» وأخذ التعهد الموقع باليد. وكما يعود البعض ممن تتم مناصحته من الشباب للإجرام، فقد عادت حكومة الحمدين بعد «مناصحة» ٢٠١٣ و٢٠١٤ في الرياض إلى نفس النهج.
المنصات الإعلامية الداعمة متشابهة، الإرهابي وبسبب سوء عمله لا يلقى دعماً في مدينته أو منطقته، ويمارس التقية أمام الجميع، ويظن أن بإمكانه اللعب على الحبلين، لذا فهو يلقى الدعم من شيوخ ومنظمات وأبواق مأجورة من خارج مكانه.
حكومة الحمدين ومع العزلة التي تحيط بها وضعت منصات مشابهة في الخارج تبث السموم وتحرض على العنف والكراهية، ووظفت من يقبل بمثل هذه المهمات مقابل المال، مع ممارستها المستمرة للإنكار والتمظهر حتى يومنا هذا بالبراءة وعدم التورط في دعم الإرهاب.
هناك الكثير من الصفات الأخرى المشتركة، ولذلك فالتعامل مع تنظيم الحمدين اليوم لا يجب أن يختلف عن التعامل مع من يتم القبض عليهم أو من تتم مطاردتهم من المتطرفين، موقف الدول الأربع هو موقف الجهة المستهدفة المتضررة من قطر، والتي تسعى الحكومة القطرية لإسقاطها مهما كلفها ذلك، الوساطات التي يقوم بها البعض سواء تلك التي يقودها أمير الكويت أو التي تأتي من الخارج لن تجدي نفعاً مع ناكص الوعود والعهود، ومن تلطخت أيديه بالدماء.
ماذا يفعل العالم مع الإرهاب والإرهابيين بعد كل هذه المعاناة والدماء المراقة في كل مكان؟ الجواب لا يكمن في التفاوض معهم، بل إلحاق الهزيمة بالفكر والعمل على محاصرة ما يتبقى من فلولهم في أي مكان، في مواجهة لا تعرف الكلل.
هذا بالضبط ما يفترض أن يحدث مع تنظيم الدوحة، الذي يمارس اليوم عملاً انتحارياً كامل المواصفات والشروط. قطر وأقصد حكومتهم، غير قادرة على الانصياع لشروط الدول الأربع بعد نشر الفضائح والأدلة الدامغة وليس أمامها إلا الإنكار. في نفس الوقت وبعد قرارات الدول الأربع الصارمة أصبحت غير قادرة على المضي ببرنامجها المدمر الذي بدأت به منذ عقدين وظهر تلاعبها على المكشوف منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي، لكنها مستمرة في نشر الأكاذيب وتلفيق الأخبار وخلق التوتر بكل السبل المتاحة لها.
من هنا فعلى العالم أن يدرك هذه الحقيقة وأن يسعى مع الدول الأربع للقضاء على هذا التنظيم، كما يتم القضاء على الجماعات الإرهابية وإن اختلفت الوسائل.
نتحدث هنا عن الحاجة لجمع الأدلة والقرائن المؤدية لإدانة المسؤولين في التنظيم، وفرض العقوبات الدولية عليهم وإخضاعهم للجلوس أمام لوائح الادعاء في قاعات العدالة. الحصول على الأدلة ليس بالعمل الشاق، فتنظيم الحمدين تهور إلى حد بعيد وخلف وراءه العديد من التسجيلات والوثائق التي تدين الحكومة وتضعها تحت طائلة العقاب.
أي محاولات لا تحمل هذه الأهداف ستفشل أمام استمرار سلوك حكومة قطر الانتحاري، وإصرار الدول الأربع في الأخذ بحق الدفاع عن النفس، والمتمثل بالاستمرار على بقاء العقوبات، وربما إضافة المزيد إليها بما يدرأ الشر ويحفظ السلام والأمن في المنطقة.