بعد مرور شهرين على الأزمة القطرية، ما زالت المآلات غامضة بعض الشيء. ولم تظهر في الأفق حتى الآن نقطة نهاية يمكن عندها تفسير بعض الأحداث التي جرت وتجري. بل إن بعضهم صار حتى يتشكك في مسار الأزمة نفسها، إذ إنه في أحيان كثيرة كان يأخذ أكثر من طريق في الوقت نفسه!
في هذه الأزمة هناك خمسة أطراف رئيسة: قطر والدول الأربع المقاطعة ودول مجلس الأمن، زائد ألمانياً والجماعات الإرهابية والدول العربية المحايدة والمراقبة، فإلى أين يا ترى ستأخذ الأزمة هذه الأطراف كلاً على حدة؟
الدول العظمى تسعى في الوقت الراهن إلى محاولة إطالة أمد الأزمة، من خلال إدخال «مفهوم المبعوث الدولي»، الذي يحتاج دائماً إلى مساحة كافية من الوقت لإنجاز مهماته، التي – يا للغرابة ويا للصدف المتكررة – لا تكتمل في الغالب من الأحوال! تسعى هذه الدول إلى أن تجعل من الفضاء الخليجي ساحة للمفاوضات المرسوم طريقها سلفاً، والتي لا تؤدي عادة إلى نتيجة واضحة المعالم، في الوقت الذي تشتغل على مصالحها الخاصة بعيداً عن الضوء وقريباً من حسابات الأزمة. المبعوثون الدوليون، على شاكلة مارتن كوبلر وإسماعيل ولد الشيخ أحمد وستيفان دي ميستورا، سيستهلكون الوقت في زيارة عواصم المنطقة، فيما تحاول الدول الكبرى، منفصلة ومجتمعة، الحصول على أكبر قدر من كعكة الأزمة.
للدول العظمى في الوقت الراهن مصلحتان قائمتان: مصلحة قريبة وأخرى بعيدة. الأولى الاستفادة الاقتصادية قدر الإمكان من الأزمة، من خلال إظهارها بحجم يفوق حجمها الحقيقي بكثير، لإقناع الإطراف الرئيسة – وأعني قطر والدول الأربع – بالحاجة إلى بذل مزيد من التنازلات الاقتصادية للخروج منها بأقل الخسائر! ومصلحة بعيدة تتمثل بوقف تمويل الإرهاب المهدد لأوروبا وأميركا من الدوحة!
زمن المصلحة القريبة قد يمتد أشهراً أو سنوات قليلة مقبلة. وستشعر قطر بنوع من الانتصار الوهمي في فترة المصلحة الأولى، لكن المآلات النهائية لتشابك دول الغرب مع هذه الأزمة ستتوقف عند ما يقتضيه أمن الشارع في باريس ولندن وميونيخ وغيرها من المدن الغربية. سيدور المبعوث الدولي هنا ما شاءت الدول الغربية له أن يدور، وسيبقى بالقدر الذي يكفي هذه الدول لحصاد مصالحها، ثم تلتفت أخيراً إلى قطر وتضعها في حجمها الطبيعي الذي يتناسب مع فضاءات خصومها من الدول الأربع.
الطرف الثاني في هذه الأزمة هي الدول العربية، التي تقف على الحياد حالياً وكأن الأزمة تشتعل حول مسألة حدودية أو خلاف سياسي بسبب مباراة كرة قدم، وليس بسبب دعم دولة مجاميع إرهابية (عربية)، بهدف خلق نظام عربي جديد يتحكم بكامل المنطقة! هذه الدول التي تحتفظ بتاريخ حافل من (الحياد المنحاز) مثلما كانت الحال في الأزمة العراقية – الكويتية قبل ٢٧ عاماً ستمضي خلف الدول الغربية مطأطئة الرأس، إنما بلا قدرة على الحصول على فوائد ومكاسب انتهازية! ستوقع في النهاية على ما توقع عليه الدول الغربية، لكنها ستخسر المصالح والمكاسب وقطر والدول الأربع، ولن تصبح الأحوال العربية بعد أزمة قطر كما كانت قبلها.
والطرف الثالث في هذه الأزمة هي الجماعات الإرهابية في المنطقة، التي ستعمل في هذه الفترة بآلية «توفير الطاقة» لسببين رئيسين: الأول تقليص حجم التمويل القطري لهذه الجماعات بسبب توقيع الدوحة أخيراً مع واشنطن اتفاقاً استخباراتياً ينص على ضرورة التوقف عن تمويل الإرهاب في المنطقة. والثاني لانقطاع التواصل القطري مع هذه الجماعات في الوقت الحالي بسبب انشغال الدوحة بدفع تهمة دعم الإرهاب عن نفسها.
هذه الجماعات ستدخل في مرحلة اللاقرار، بين الاحتفاظ بالحليف القديم المحاصر دولياً أو البحث عن داعم جديد، لكنها في كل الأحوال لن يكون لها دور في استمرار الأزمة أو إنهائها.
طرفا الأزمة الرئيسان، قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى، لديهما مفاتيح الحل في الحال. قطر بمراجعة اتهامات أشقائها والتوقف عن كل ما من شأنه التأثير في أمن واستقرار هذه الدول والعودة المصحوبة بتوبة نصوح إلى الخط السياسي والأمني العام لدول الخليج. أما الدول الأربع فبإمكانها إنهاء الأزمة سريعاً بالانتقال من مرحلة المقاطعة إلى مرحلة اكثر تشدداً وتفعيل الحلول الاستخباراتية ونقل الملفات الأمنية المتعلقة بالإرهاب إلى مجلس الأمن.
يعمل الطرفان بهذه الآلية السريعة لمصلحتهما مجتمعيْن، وإلا فالزمن كفيل بحلحلة الأمور، لكن حينها لن يكون هناك سوى خاسر وحيد وهو قطر!