يستطيع النظام القطري أن يفتري، ولكن ليس بمقدوره إقناع الآخرين بصحة أكاذيبه، خاصة إذا جاءت بصناعة من جاهل لا يعرف أنه يهذي، وأنه أفضل له لو يصمت من أن يتحدث بافتراءات لا يمكن لعاقل أن يصدقها، غير أن نظام تميم لم يعد لديه من حجة يدافع بها عن مواقفه المشبوهة، فإذا به يطلق آراء ساذجة، ويتحدث بارتباك مَنْ فَقَدَ السيطرة والقدرة والتماسك أمام تلبّسه بكل هذه الجرائم، ما عدّه العقلاء وصمة عار في هذه المرحلة المضطربة من تاريخ دولة قطر، وتحديداً في عهدي حمد بن خليفة ثم تميم بن حمد، وأن ما تتحدث به أبواقه في هذه الحقبة من تاريخ هذه الدولة الصغيرة لا يصدقه ولن يصدقه إلا هذا النظام والقوى المعادية لدولنا وشعوبنا.
* *
إذ كيف لعاقل أن يصدق افتراءات الدوحة بأن هناك مخططاً سعودياً للتنكيل بالحجاج القطريين، وأن الرياض تخطط لوصمهم بالإرهاب متى قدموا لأداء شعيرة الحج، وأن المملكة تنصلت من تقديم أي ضمانات لسلامة الحجاج القطريين، فهل بعد هذه الأكاذيب، والمعلومات المضللة والافتراءات، يمكن أن يعوّل على قول يصدر من قطر، وأن يؤخذ أي رأي منها على محمل الجد، وأن تتم معالجة الأزمة القطرية بالطرق الدبلوماسية، ومن خلال الحوار، بينما قطر هي هذه الدولة التي تتآمر وتدعم الإرهاب، وتمارس العنف مع جيرانها، ثم لا تستحي ولا تخجل من القول بأنها هي من منعت حجاجها من الحج هذا العام خوفاً عليهم من التنكيل، ومن أن تتهمهم المملكة بالإرهاب، وأن الموافقة على أن يحجوا مرهونة بتقديم المملكة ما يضمن عدم التنكيل بهم، وعدم وصمهم بالإرهاب، بينما الأمر ليس كذلك، وإنما هو تسييس لموضوع الحج بهذا الطرح الساذج، هدفت منه الدوحة بكل هذا الغباء إلى فك الخناق عما تطلق عليه الحصار، لكنها فشلت، لتتحمل بذلك مسؤولية معاقبة المواطنين القطريين الذين كانوا ينوون الحج، لولا هذا الموقف التآمري منها الذي حال بينهم وبين أداء مناسك الحج.
* *
لهذا لم تستغرب أن يأتي الرد على هذه الافتراءات من وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد العواد خلال اجتماع وزراء الإعلام في الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب في جدة، حين قال في كلمة له أمام نظرائه وزراء الإعلام في هذه الدول، بأن الحج شعيرة ربانية تهتم بها المملكة منذ تأسيسها، وتبذل الجهود كافة لإنجاحها، وأن تسييس الحج يعد انحداراً سياسياً تسعى من خلاله حكومة قطر إلى خلط الأوراق، واستغلال هذه الشعيرة لأهداف سياسية ضيقة، إذ لو أن حكومة قطر جادة في تمكين الحجاج القطريين من تحقيق الفرصة لهم ليحجوا لما افتعلت هذه الحجج، فهي تعرف كما قال الوزير بأن المملكة توفر لجميع الحجاج وبينهم القطريين كافة احتياجاتهم لأداء مناسكهم بسهولة ويسر، مطالباً معاليه بعدم تصديق الدعاية الكاذبة حول منع الحجاج القطريين من الحج، فمنعهم جاء من النظام القطري وليس من المملكة.
* *
الوزراء من جانبهم أكدوا أن المملكة على امتداد التاريخ وهي تقوم بدور عظيم لخدمة الحجاج ورعايتهم وتبذل كل الجهود في سبيل تسهيل أداء مناسك الحج والعمرة لجميع المسلمين، وأنها ترفض بشكل قاطع أي محاولة لتسييس الحج والزج بهذه الشعيرة الدينية لتكون في خدمة أهداف سياسية مغرضة، ومن هذا المنطلق، فقد أكد الوزراء على مواجهة التطرف بكل أنواعه من خلال وسائل الإعلام، والتصدي للحملات الإعلامية الداعية لخطاب الكراهية والعنف والتطرف الذي ترعاه حكومة قطر، وهو ما يعني أن الشرفاء من الإعلاميين لن يلتزموا الصمت أمام الغطرسة القطرية، وتهور نظام تميم في دعمه للإرهاب والعنف والتطرف، ولن يكونوا في موقف المتفرج من الحملات الإعلامية المشبوهة التي تقف وراءها قطر لتشويه صورة الحج، والادعاء بمنع الحجاج القطريين من الحج تارة، وبأنهم لو حجوا فسيتم التنكيل بهم تارة أخرى، وهذا كلام يفترض أنه خارج السياق أن يصدر، إلا أن يكون صدوره قد تم من معتوه فقد رشده، فلم يعد لديه ما يخسره في مثل هذه الادعاءات، فقد أصبحنا أمام خراب الدوحة لا خراب مالطة.
* *
رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في جمهورية مصر العربية، قال من جانبه بعد اجتماع الوزراء الأربعة إن هناك منطلقات إعلامية جديدة خرج بها الاجتماع، وأهمها أن هذه الدول تنطلق من موقف واحد ومحدد، وقطر تشكل فيه جزءًا، لكن الأصل أن هذه الدول اكتوت بنار الإرهاب، وبالتالي فهذه الدول تزمع الحفاظ على تحالفها، وتعمل على توسيعه من أجل مكافحة الإرهاب، وأن موقفهم من قطر يتعلق بإمداد ودعم الإرهاب من هذه الدولة، وأضاف الوزير أنه سيتم تعقب تمويل قطر للإرهاب وصولاً إلى الأمم المتحدة، وذلك باجتماع مشترك مع وزراء الخارجية للاتفاق على الاستراتيجية طويلة المدى لمكافحة الإرهاب.
* *
أي أن افتعال قطر لبعض القضايا الجانبية واختلاقها بعض القصص، واستمرارها في ممارسة هذا الضجيج للتأكيد على مظلوميتها، وأن المملكة والدول الشقيقة تمارس معها أساليب من التعامل التعسفي، لن ينقذها من الإدانة في تورطها بدعم الإرهاب والتطرف والعنف، ولن يخلي سبيلها مما ثبت أنه موثق عليها مما تشتكي منه هذه الدول، حيث تدخل الدوحة في شؤونها الداخلية سواء بنفسها أو بالوكالة عن غيرها، وحتى في افتعال قضية الحج وما تسميه بالحصار فإنها لن تقوي موقفها الضعيف في مواجهة الاتهامات، خاصة أنها طرقت أبواب دول العالم، والمنظمات الدولية واستخدمت كل وسائل الإعلام المتاحة لها، واستنجدت بكل الأدوات التي اعتقدت أنها فاعلة في تحريك مشكلتها، ولكنها فشلت بما يبرئها من التهم الموجهة لها، وهي كما نرى في تزايد مستمر، فكل يوم نحن أمام الإفصاح عن جريمة جديدة تصل إلى العظم القطري.
* *
ومهما حاولت، وابتكرت من ألاعيب وحيل، وفتشت عن طرق، فسوف لن يتغير الموقف منها، ما لم تسارع في القبول والتنفيذ وتقديم الضمانات للطلبات التي أعلنت عنها الدول الأربع كشرط لإعادة العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، وإعادة فتح الحدود بين قطر وأشقائها وإيقاف كل الإجراءات التي اتخذت ضدها، لأن تسييس الحج، والدعوة إلى تدويله، ومنع الحجاج القطريين من الحج بحجة الخوف عليهم من التنكيل أو اتهامهم بالإرهاب، ومثل ذلك إطلاق مصطلح حصار الدول الأربع لقطر، كلها طروحات ساذجة، وقد كان مصيرها الفشل، ولا بد وأن نظام تميم يدرك أن هناك بدائل أخرى لها بعد أن أسقط في يديه، وبأن ما يدعيه لم يُلق له بال أو اهتمام، ولم يحرك ساكناً، وكان خلال عرضه على المنظمات الدولية انتهى وكأنه لم يكن، ومن المؤكد أن أي جديد لدى قطر لن يكون مصيره إلا كتلك، لأن ما بني على باطل فهو باطل، وما اعتمد على أكاذيب فهو مكذوب، وما كان مرجعيته فرية فهو افتراء.
* *
وحتى لا يضيع الوقت سدى على قطر في مناكفات لا قيمة لها، ومن أجل أن تفك الدوحة أزمتها، ولكي يكون النظام في مستوى المسؤولية، فيتفاعل بحس وطني مع مجريات الأمور، فإنه ليس أمام قطر من طريق أخير، أو وجهة أخرى، لحل معضلتها دون أن تكون مع مرور الأيام أزمة مستعصية، إلا بقيام الشيخ تميم بما توجبه عليه مسؤوليات قيادته للبلاد من التزامات، وذلك في البحث عن آليات أخرى تلبي طلبات الدول الأربع، وتحفظ ماء الوجه لنظام قطر، وتنقذ الدولة الصغيرة من سجّانها المتآمرين عليها وعلينا.