ربما يكون الموقف الاسرائيلي من الازمة السورية، من اكثر المواقف الدولية والاقليمية غموضا وضبابية منذ بداية الازمة وحتى اليوم، رغم الاشارات المتباعدة وغير الصريحة التي تصدر في بعض الاحيان من قبل المسؤولين الاسرائيليين والمحللين الاستراتيجيين، للتعبير عن الموقف الاسرائيلي من الصراع، في بلد مجاور يشكل مكانة مركزية في حسابات اسرائيل السياسية والامنية والاستراتيجية بشكل عام، نظرا لمحورية سوريا في المنطقة، وقدرتها على التاثير في احداثها .
والاشارات العلنية الصادرة من اسرائيل تقول، انه ربما كان هناك ولايزال هناك تباين بين النخب الاسرائيلية حول الموقف الذي يمكن اتخاذه من الصراع في سوريا وعليها . وتركز التباين حول مستقبل الحكم في دمشق . فهناك من كان يفضل ذهاب الاسد باعتباره شريكا استراتيجيا لايران، ولا يخدم بقاءه امن اسرائيل . وهناك تجاه اخر يفضل بقاء الاسد، باعتباره الحكم الامثل بالنسبة لاسرائيل، بالمقارنة مع اي حكم بديل لايزال مجهولا، ولا تشير التطورات الى طبيعته او موقفه من اسرائيل .
ويبدو ان تعقيدات الازمة وتعدد الاطراف الدولية والاقليمية المتورطة فيها، خلقت حالة من عدم اليقين لدى صناع القرار والخبراء في اسرائيل بشان مستقبل الازمة السورية، وبالتالي عجز الفكر الاستراتيجي الاسرائيلي عن تحديد تصور للسيناريو الامثل الذي يخدم اسرائيل . ويبقى هذا الاحتمال مجرد تكهن او استنتاج، نظرا للغموض الذي يحيط بموقف اسرائيل من الازمة .
ورغم التكهنات والافتراضات التي تحاول اكتشاف الموقف الاسرائيلي، فان هناك محددات لابد لاسرائيل ان تاخذها كقواعد اساسية عند اي محاولة لتحديد موقفها من الازمه :
اولا : ان اي تطور في مستقبل الازمة السورية، يجب ان لايؤثر سلبا على امن اسرائيل من قبل اي جهة كانت سورية كانت او غير سورية، تتواجد على الارض السورية .
ثانيا : يجب النظر للمستقبل السياسي للنظام السوري او بديله، من زاوية دور سوريا المتوقع في مسار الصراع العربي الاسرائيلي سلما اوحربا، ومدى تاثير ذلك على مجمل تطورات هذا الصراع .
ثالثا : الدور المتوقع للجيش السوري في المستقبل وعقيدته القتالية، وعلاقته بالصراع مع اسرائيل، بل وبقدرته على ممارسة ادواره السابقة ام لا .
رابعا : تفكيك علاقات سوريا وتحالفاتها الاقليمية، ومدى حجم التفاؤل او التشاؤم باعادة تكوين خارطة جديدة لمنظومة الحالة العربية الرسمية، بعد انتهاء الصراع في سوريا .
ورغم الصمت والغموض في الموقف الاسرائيلي، الا ان بعض فصوله قد اتضحت اكثر، مع بدء التدخل العسكري الروسي . حيث سارع رئيس الوزراء الاسرائيلي، مصطحبا معه رئيس الاستخبارات ورئيس الاركان بالذهاب الى موسكو، والتوصل الى مجموعة تفاهمات عكست ادراك روسيا لاهمية العلاقة مع اسرائيل، وادراك اسرائيل لاهمية الدور الروسي كقوة مؤثرة في الشرق الاوسط . بمعنى انه كان هناك تفهم من قبل الطرفين الروسي والاسرائيلي لمصالح كل طرف، السياسية والامنية في سوريا .
وقد جرى ترتيب التفاهمات بين الجانبين على الوجه التالي :
اولا : منع نقل اسلحة من سوريا الى حزب الله في لبنان . وقد شنت اسرائيل تنفيذا لهذا التفاهم بضع ضربات جوية في العمق السوري .
ثانيا : منع انتقال الحرب الى الحدود الاسرائيلية من قبل اي طرف كان .
ثالثا : حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها، او توجيه ضربات استباقية ضد اي تهديد متوقع لها من المناطق السورية. وقد ردت اسرائيل على عدة اطلاقات لصواريخ او قذائف وجهت نحو الجولان المحتل، كما شنت غارات ضد مواقع لحزب الله ومنظمات اخرى في الجنوب السوري القريب من الجولان .
ومع ذلك يرى محللون ان الموقف الاسرائيلي من مستقبل الصراع في سوريا، لابد وان ينحصر في واحدة من ثلاث رؤى اساسية :
اولا : الحرص على اطالة امد الصراع دون حسمه، فلا بد ان يؤدي ذلك الى اضعاف كل الاطراف، المعارضة والنظام والجيش، وحتى الدول الداعمة لها، مما يمكن اسرائيل من تمرير التسوية السياسية التي تريدها للصراع العربي الاسرائيلي، وتأسيس دويلات متناحرة طائفية واثنية، سنية وعلوية وكردية ودرزية ومسيحية .
ثانيا : سقوط نظام الاسد وحسم الصراع لصالح المعارضة .
ثالثا : نهاية الصراع وقيام دولة مركزية بغض النظر عن من يحكمها .
ورغم عدم افصاح اسرائيل عن الرؤية المفضلة لديها حول مستقبل الازمة، الا انه من الممكن القول انها تفضل الرؤية الاولى، التي تبدو ملامحها الاكثر توقعا لمستقبل الازمة السورية، كما انها الاكثر ملاءمة لمصالح اسرائيل الامنية والسياسية على المدى البعيد .وهكذا فان مستقبل الازمة السورية سيصب فائدة اخرى لاسرائيل في بنك الفوائد التي اكتسبتها من الوضع في المنطقة العربية والشرق الاوسط عموما، وخاصة في السنوات القليلة الماضية .!