اخترنا لكغير مصنفنون والقلم

اليابان في مصر

تكثر المراكز الثقافية وتعليم اللغات لكل من إنجلترا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا والولايات المتحدة وروسيا، وحتى إيطاليا في العالم العربي.
تقوم هذه المراكز بدور كبير في نشر ثقافات بلادها وتعليم لغاتها. والسبب المباشر لوجود هذه المراكز وانتشارها هو أولاً الماضي الاستعماري لها في بلادنا، وبالتالي تركها إرثاً استعمارياً لغوياً لا يمكن الفكاك منه تماماً، كحال الهند مع اللغة الإنجليزية نتاج الاستعمار الإنجليزي لها.
وتتنازع العالم العربي ثقافات ولغات بحسب البلد المستعمر، من فرنسية في سوريا ولبنان وشمال إفريقيا، وإنجليزية في مصر والسودان والجزيرة العربية والعراق وفلسطين والأردن.
أما السبب الثاني، فهو تنامي قوة الدول الاقتصادية والعسكرية وفرضها لثقافاتها ومفاهيمها، مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقاً وروسيا حالياً.
وفي هذا الإطار تبرز الصين من بين الدول التي نشطت كثيراً في النصف الثاني من القرن العشرين على رغم أنها بعيدة ولم تستعمر أي بلد عربي، لكنها كانت تحمل هاجس تصدير الثورة الشيوعية ونشرها في العالم، ومنه العالم العربي. لذلك نجد أن الصين تحديداً كانت أكثر الدول الخارجية، بل ربما فاقت الاتحاد السوفييتي والغرب بأنها أنشأت جيلاً من الدبلوماسيين والمستشرقين الذين يعرفون اللغة العربية جيداً، ولا سيما أولئك الذين تعلموا في مصر في عهد جمال عبدالناصر؛ لذا من النادر أن نجد دبلوماسياً صينياً في عاصمة عربية لا يعرف العربية.
في الإطار نفسه باشرت العديد من الدول ذات التاريخ المشترك أو المجاور للعالم العربي، والتي تملك مشاريع تتجاوز حدودها في الاهتمام بالمنطقة العربية، ليس فقط سياسياً واقتصادياً بل ثقافياً ولغوياً.
ولفت في السنوات الأخيرة أن تركيا، مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، بدأت بسياسات تعزيز حضور الثقافة التركية في العالم العربي عبر مراكز يونس إيمري الثقافية لتعليم اللغة التركية، والتعريف بالحضارة التركية، وهذا طبيعي في ظل هيمنة الأتراك على المنطقة العربية أربعمئة عام إلى حين خروجهم منها عام 1918.
في هذه السياقات، والسباقات، تبرز مسألة الحضور لدولة صنعت معجزة اقتصادية وتكنولوجية على الصعيد العالمي ألا وهي اليابان. فهذه الدولة ذات الثقافة العريقة والتقليدية لم تبرز كواحدة من الدول التي سعت إلى نشر ثقافتها ولغتها في العالم ومنه العالم العربي. لكن ابتعادها عن العالم العربي كان أكثر وضوحاً، وربما يكون منشأ ذلك هو أنها دولة وقعت بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة تحت الهيمنة الأمريكية السياسية والعسكرية. وهي انكبت بعد هزيمتها الثقيلة في تلك الحرب إلى الاهتمام بمعالجة بيتها الداخلي، والذي كان يعني صرف عقود من أجل ذلك، فلم يكن لديها وقت ولا قدرة على ترسيخ حضور لها في الخارج. فكيف إذا كان هذا الحضور في مجتمعات عربية وإسلامية؟
ما يقود الكلام إلى هذا هو بداية مسار جديد في السياسة الخارجية اليابانية عنوانه بعض المساعدات الاقتصادية ولو المحدودة لدول عربية من جهة، والاهتمام بنشر الثقافة واللغة اليابانية من جهة أخرى. ومناسبة ذلك خطوة نوعية في العالم العربي وهي افتتاح مركز الدراسات اليابانية في كلية الآداب بجامعة القاهرة في 15 تموز/ يوليو الجاري بعدما كان قد افتتح سابقاً قسم اللغة اليابانية. ومما يلفت أن هذا المركز الذي يرأسه المتخصص في الشأن الياباني الدكتور عادل أمين يضم عشرات الطلاب والطالبات ممن يجيدون اللغة اليابانية، كما من الدكاترة المميزين في معرفة اللغة اليابانية ولهم ترجمات من اليابانية مباشرة.
أمام اليابان مشوار طويل لتدخل المجتمعات العربية خصوصاً في ظل صعوبة اللغة اليابانية، لكن الانفتاح الثقافي واللغوي والحضاري الياباني – العربي مفيد حتماً لكلا المجتمعين اللذين يملكان من الحوافز ما يوجب إنجاح هذه التجربة، والاستفادة من جوانبها المضيئة والإيجابية وتعميمها على كل الدول العربية.

نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

Back to top button