نون والقلم

أيام دامية في رحاب الأقصى

كُتِب الكثير، وقيل الكثير عن دور المعارك الجانبية التي يخوضها العرب الآن وتحت غبارها يتمكن الكيان الصهيوني من الانفراد بالشعب الفلسطيني ويعطي لنفسه مساحة آمنة من الوقت يخوض فيها حربه العدوانية المتوحشة ضد الأبرياء والعزّل من أهلنا في القدس والضفة هؤلاء الأبطال الأنقياء الذين اثبتوا أنهم قوة لا يستهان بها في التصدي للعدو وإذلال قوته الباطشة. كان العرب إلى وقت قريب يختلفون بالكلام لكن تلك المواقف لم تصل بهم إلى الاقتتال، وكان العدو يخشى وحدتهم حتى وإن كانت معنوية، أما الآن فقد صار يدرك أنه تحرر نهائياً من كل ما كان يخشاه، وصار في إمكانه أن يفعل ما يشاء وفي الوقت والأسلوب الذي يشاء، لذلك فقد أفرط في القتل والاعتقالات وفي قضم أجزاء مما تبقى في أيدي الأشقاء من وطنهم، ويزيد من هول ما يفعله التمادي في العدوان على الأماكن المقدسة وعلى المسجد الأقصى خاصة ومنع المواطنين الفلسطينيين من أداء شعائرهم الدينية في رحابه انطلاقاً مما كان يحدث سابقاً،وقبل أن يهون العرب على أنفسهم وعلى أعدائهم، وعندما وجد الأشقاء أنفسهم منفردين في مواجهة التوحش الاستيطاني لم يترددوا عن المواجهة وأكدوا بوحدتهم الوطنية أنهم أهل للمواجهة ،وبصمودهم أجبروا الاحتلال على إزالة البوابات والجسور الحديدية عن مداخل الحرم القدسي .

ومن يتابع الأحاديث الأخيرة للسياسي الصهيوني العجوز هنري كيسنجر- صاحب مشاريع السلام المجاني – يدرك أبعاد المخطط الصهيوني المعد للوطن العربي، ولا يستغرب هذا المستوى الفاحش من الحقد والتحريض والدعوة إلى استغلال الوضع العربي الراهن في إقامة الدولة العبرية الأقوى والتي لا حدود لها، وعدم التسامح مع كل من يعادي هذه الدولة أو لا يعترف بها، وهو المنطق نفسه الذي يسود الصحافة العبرية والمنساق مع موجة الحرب الموجهة ضد الإسلام بوصفه ديانة إرهاب وضد المسلمين بوصفهم قوة مدمرة للحضارة (!!) وهو قول يتوافق مع المثل العربي المعروف «رمتني بدائها وانسلت» وهذا ما بدأت تشعر به بعض التيارات المستنيرة داخل أمريكا والغرب عموماً بأن الكيان الصهيوني بطبيعته الإرهابية ودوره في تهديد مبادئ العدل والسلام هو العصابة الإرهابية العنصرية التي تسعى إلى تدمير العالم.

وقد استوقفني مؤخرا سؤال على درجة من الأهمية أطلقه صديق من المعذبين بما يحدث في الواقع العربي، والسؤال هو: هل في كل ما يحدث في القدس وفي رحاب الأقصى ما يدفع المتحاربين العرب إلى أن يعودوا إلى صوابهم ويدركوا حقيقة ما تكرسه حروبهم من تشجيع الأعداء والدفع بهم إلى تحدي كل ما هو عربي، وانتظار اليوم الذي تتاح لهم فيه فرصه تقاسم الوطن العربي كما حدث بعد اتفاقية «سايكس بيكو» وقبلها وبعدها ؟ لقد أخذني هذا السؤال الكبير بعيداً عمّا يحدث في القدس والأقصى وعاد بي إلى ما قبل نشوء الكيان العدواني المحتل، وكيف أن الخلافات المعلنة منها وغير المعلنة بين الأنظمة العربية قد ساعدت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على ضياع فلسطين تدريجياً وسقوطها في أيدي المنظمات الصهيونية المدرّبة والمكلَّفة بإخلاء كل فلسطين من مواطنيها العرب الذين تمتد جذورهم على هذه الأرض إلى ما قبل عشرة آلاف عام،لتكون وطناً قومياً لكل يهود العالم والمتهودين، وهؤلاء الآخرون يشكلون أغلبية الموجودين في القدس وبقية المستوطنات الجديدة.

إن الحرب الدامية في حواري القدس وفي رحاب الأقصى جديرة بأن تكون الشغل الشاغل لكل مواطن عربي شريف، وأن تكون موضع اهتمام الأنظمة العربية، ولا يكفي أن يكون الناطقون والمتحدثون باسم هذه الأنظمة في الجامعة العربية قد أعلنوا شجبهم وإدانتهم لما يحدث، فالوضع يتطلب موقفاً إيجابياً وتضامناً حقيقياً يشعر معه العدو أن لاشيء يشغل الأمة عن همها الأول وقضيتها المركزية. ويبقى الإكبار والإجلال للمناضلين الفلسطينيين الذين يواجهون الدبابات بالحجارة والعصي والسكاكين.

 نقلا عن صحيفة الخليح

أخبار ذات صلة

Check Also
Close
Back to top button