الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية التركية السيد رجب طيب أردوغان لكل من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت ودولة قطر كان ظاهرها العام سعي تركيا إلى التوسط بين قطر والمملكة وشقيقاتها الثلاث المقاطعة للأولى. وقد صرح بهكذا تصور الرئيس أردوغان نفسه قبيل سفره إلى المملكة العربية السعودية بقوله: «إن الأزمة الخليجية لا تفيد أحداً وإن تركيا ستبذل أقصى ما في وسعها لحل المشاكل بين الأشقاء في منطقة الخليج».
وبالطبع كانت المحطة الأولى في زيارة أردوغان المملكة لثقلها السياسي ومكانتها العربية والإقليمية والدولية ،فهي كما قال أردوغان «الشقيق الأكبر لمنطقة الخليج العربي وأن دوراً كبيراً يقع على عاتقها فيما يخص الأزمة القطرية.. وأن الملك سلمان يأتي في مقدمة الشخصيات القادرة على حل الخلاف».
المملكة استقبلت أردوغان بكل ترحاب والتقاه قادتها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان ، وحسب وكالة الأنباء السعودية « فإن المباحثات بين الجانبين، السعودي والتركي، تناولت العلاقات بين البلدين الشقيقين وتطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والجهود المبذولة في سبيل مكافحة الإرهاب ومصادر تمويله».
ولم تصدر تفاصيل أكثر عن طبيعة المباحثات وفيما إذا تناولت الأزمة مع قطر ، وإن كان متوقعاً أن تكون ضمن أجندة المباحثات ومن غير الممكن تجاوزها.
وكذلك الأمر في زيارة أردوغان لكل من دولتي الكويت وقطر لم يصدر بيان تفصيلي يوضح فيما إذا كان قد تم التوصل إلى حلول للأزمة بين قطر والدول المقاطعة لها. ولم تبدُ إشارات أكثر من تكرار أردوغان على أنه يؤيد الوساطة الكويتية.
زيارة أردوغان وهو أيضاً رئيس منظمة التعاون الإسلامي في دورتها الحالية كون أن لتركيا رئاستها وعلاقات بلده مع المملكة العربية السعودية تشهد زخماً إستراتيجياً غير مسبوق بعد الاتفاقيات التي وقعت بينهما قبل عام ،تدفع المرء إلى التفاؤل بإمكانية إحداث انفراجة في الأزمة الخليجية خاصة وأن لتركيا وأردوغان نفسه علاقات متميزة جداً مع الساسة القطريين وهو ما قد يمكِّنه من حلحلة العناد القطري ودفع قطر إلى الاعتراف بمطالب الدول المقاطعة والجلوس الصادق معهم على طاولة مفاوضات لبحث معالجة القضايا الشائكة بينهم وطمأنتهم على عدم تدخلها فيما يمس مصالح تلك الدول، لكن يبدو وكما يقال إن الكتاب يُقرأ من عنوانه ، فبعد كل اللقاءات الثلاثة في جدة والكويت والدوحة لم يصدر شيء يدفع إلى تفاؤل كبير ونجاح في هذه المسارات.
ولعل صدق القول مع دولة إقليمية هامة كتركيا ورئيس مثل أردوغان يحتِّم إيضاح أن أي عملية وساطة إن لم تكن محايدة كلية فلن تكون لها أي نتائج مؤثرة أو مقبولة، فتركيا وساستها منذ بداية الأزمة اتخذوا جانباً انحيازياً إلى جانب قطر وآخرها تصريح أردوغان نفسه قبل توجهه إلى المملكة العربية السعودية حين قال: «إن الأزمة لا تفيد أحداً وإن دولة قطر تعاطت معها بعقلانية». فأي عقلانية هذه وكل التصرفات القطرية منذ بدء الأزمة لا تنم عن شيء من الحكمة سوى العناد والإصرار على الخطأ وتحميل الدول المقاطعة مسؤولية ما حدث بل ومطالبتها بالتعويض، ولعل خطاب أمير قطر الأخير والذي لم يكن أكثر من باهت وغير جدِّي خير دليل.
إن كان للرئيس أردوغان رغبة حقيقية في التوسط وإحداث انفراجة في الأزمة فعليه أولاً التجرد من انحيازيةِ موقفٍ لصالح طرف ضد آخر وأن يستخدم علاقاته المميزة مع حكام قطر في دفعهم إلى إبداء جدية حقيقية في حل أزمتهم مع الدول المقاطعة والابتعاد كلية عن ما يمكن أن يحدث شرخاً في علاقة ميزانها احترام مصالح الجميع وبدون استثناء.