وأنا أقرأ عددا كبيرا من المقالات لكبار المحللين والسياسيين الصهاينة خلال الأيام الثلاثة الماضية، تأكدت مما لا تصعب قراءته بالتحليل السياسي، وهو أن الكيان الصهيوني قد تلقى صفعة حامية، وتعرض لهزيمة واضحة في هذه الجولة من جولات المواجهة مع شعبنا الفلسطيني. وجاء بيان الخارجية الأمريكية بما ينطوي عليه من هدوء ودعوات لضبط النفس وإبداء للقلق، ليزيد الأمر وضوحا.
أحد أكبر المحللين الصهاينة (إليكس فيشمان)، كتب الاثنين في «يديعوت أحرونوت» يقول: ما تفعله إسرائيل اليوم هو محاولة الخروج من هذه القصة بالحد الأدنى من المسّ بالشرف الوطني، وبلا انتفاضة ثالثة .
نتنياهو الذي يجلس قبل أيام مع «ماكرون» في باريس، فيهجو له المبادرة الفرنسية، ويستخف بمبادرة ترامب للحل، ويقول بالفم الملآن: «قلت لبوتين: ضربنا في سوريا مرارا، وسنضرب كلما استدعت الحاجة»، والذي يأتيه رئيس وزراء الهند «حاجا» متذللا وطالبا القرب.. نتنياهو هذا يتراجع أمام الغضب الفلسطيني، ويتنازل عن البوابات الإلكترونية على مداخل الأقصى، ويستبدلها بالكاميرات، فيرفض الفلسطينيون ذلك أيضا.
«فيشمان»، لخص جوهر القضية. إنه الخوف من انتفاضة ثالثة، وهذا هو سر العدو، فإذا كان العدو مصابا بالذعر من الانتفاضة، فهل لأنه خائف على الدم الفلسطيني الذي يخاف ذلك القائد من سفكه في المواجهات مع الاحتلال، وهو يبرر منع المواجهات مع الحواجز والجنود؟!! أم لأنه (نتنياهو) يخشى من تداعيات تلك الانتفاضة على كيانه الذي استمتع بوضع لم يحلم به منذ 2004، ولغاية الآن، رغم المواجهات العنيفة مع “حماس” في قطاع غزة، وهو يمنّي النفس الآن بدفن القضية عبر حل مؤقت، يغريه بذلك هذا الحريق الذي أشعله خامنئي، ومعه قوى الثورة المضادة في المنطقة، ويغريه غزل بعض العرب، وعشق ترامب، والعلاقة الحميمة مع بوتين وقوىً كبرى في العالم.
من هذه النقطة، ينبغي أن يبدأ الحوار الفلسطيني؛ لأن تفجّر الموقف بسبب الأقصى لا يعني أن القضية هي المسجد وحسب، ولا يعني مثلا أن انتفاضة الأقصى العظيمة كانت فقط لأجل زيارة شارون للمسجد، فالشرارة شيء، وجوهر القضية شيء آخر.
الأقصى في مدينة القدس، والقدس مدينة محتلة، وفلسطين كلها تحت الاحتلال، وأراضي الـ 67 كلها مستهدفة بالاستيطان والتهويد. هذه حقائق لا ينبغي تجاهلها بمجرد حل مشكلة الدخول للمسجد الأقصى، فهذا ما يريده المهزومون الذي استمتعوا بالتعاون الأمني وبطاقات الفي آي بي، ويتعاملون مع الوضع الراهن بروحية الاستدامة، ولا مشكلة لديهم في أن يبقى مئة عام أخرى، ومن ورائهم عرب لا يريدون وجع الرأس الذي تسببه لهم القضية الفلسطينية مع شعوبهم.
لا يجب أن تتوقف الانتفاضة، وهي أصلا موجودة بوتيرة متفاوتة، أعني انتفاضة القدس، فالمطلوب هو توحّد جميع الفلسطينيين على برنامج المقاومة، وبشعار دحر الاحتلال دون قيد أو شرط، وما جرى يؤكد أن تحقيق المراد ليس مستحيلا إذا توفرت الإرادة لدى القيادة. أما الشعب، فلديه إرادة من حديد، وهو جاهز للمواجهة.