ما يمر به الشرق الأوسط اليوم من أحداث مؤسفة يجعل الجميع أكثر إدراكاً بأن الصهاينة لهم الدور الأكبر في التخطيط للمؤامرات وتصعيد الأحداث التي من شأنها تعزيز بقائهم في فلسطين، وتحقيق أطماعهم. لعل المجتمع الدولي اليوم يراقب بقلق الأزمات المتتالية في الشرق الأوسط متناسياً أو متغافلاً الاضطهاد والانتهاكات التي يقوم بها المحتل الصهيوني لدولة فلسطين في الأراضي المحتلة، وما يبتكره الكيان الصهيوني من أبشع الأساليب لاضطهاد الشعب الفلسطيني الشقيق، وآخرها هو إغلاق أبواب المسجد الأقصى المبارك أمام الفلسطينيين للصلاة فيها ومنع رفع الأذان.
على مر العصور يعتبر المسجد الأقصى المبارك مهمّاً لكل المسلمين؛ ففيه صلى ومنه عرج نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى}، وكان أئمة المسلمين وعلماؤهم حريصين على شد الرحال دائماً إليها ونشر العلم والمعرفة فيها؛ حيث كان الأقصى مركزاً مهمّاً للعلم وتدريس العلوم الإسلامية وهو أول معهد إسلامي في فلسطين.
إغلاق أبواب المسجد الأقصى المبارك يعد انتهاكاً للمسلمين جميعاً، فالمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين وثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام بمكة، وهذا الاستفزاز والاضطهاد يعتبر جريمة بحق الفلسطينيين والمسلمين في العالم، ومما لا شك فيه أنه يولّد الغضب في الشارع العربي الذي يؤكد عروبة القدس والتمسك بالحق الشرعي.
في الأقصى ترفع المصاحف والأناجيل ضد اضطهاد الصهاينة، ويحرس المسيحيون المصلّين المسلمين أثناء صلاتهم بالقرب من المسجد الأقصى في مواجهة جيش الاحتلال الصهيوني، الذي تجرّد من كل معاني الإنسانية، واقتحم المصلين في صلاة الجمعة، وفرّقهم، ومنعهم عن تأدية صلاتهم بأبشع الأساليب، وأدى ذلك إلى وقوع جرحى وإصابات خطيرة، مما أشعل الغضب في أرجاء دولة فلسطين المحتلة، وخرج آلاف المحتجين واشتبكوا مع الجيش الصهيوني المحتل، ووقع منهم شهداء وأكثر من 400 جريح برصاص العدو الغاشم؛ فقدس التسامح التي كانت تحضن الديانات السماوية الثلاث تعيش اليوم تعسفاً دينياً وتشدداً وتطرفاً، وشهدت طرقاتها دماء شهداء أطفال ونساء ومدنيين من الشعب الفلسطيني.
كان الهدف الرئيسي من احتلال أرض فلسطين هو المخطط الصهيوني الذي ينص على العودة إلى أرض الميعاد، والتوسع في الشرق الأوسط، تحت شعار من النيل إلى الفرات، وكانت وسائل الإعلام الصهيونية تحاول خداع وتضليل الرأي العام، ولقد كذب الصهاينة، والتاريخ يشهد اليوم على أكاذيبهم وشعاراتهم المزيفة وعنصريتهم وتطرفهم ونشرهم للكراهية، وموجة الاضطهاد اليوم ومنع الفلسطينيين من تأدية صلاتهم ومنع رفع الأذان ليس بجديد على المحتل الذي حاول أن يخدع العالم بأكاذيبه، ويتظاهر بأنه في وضع دفاع عن نفسه بقتل الفلسطينيين في دولتهم.
منع المسلمين من صلاتهم في المسجد الأقصى ظلمٌ وطغيانٌ وقهرٌ وجريمةٌ يعاقب عليها القانون والمجتمع الدولي بما ينص عليه من الحرية الدينية في المادة رقم 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي من أهم حقوق الإنسان الأساسية، وبموجب هذا القانون لابد للمجتمع الدولي من التحرك وبجدية لإنهاء هذه الانتهاكات اليومية في القدس.
للأسف الشديد فإن الصهاينة لم تتغير سياستهم في الأراضي المحتلة، فمنذ الاحتلال وإلى اليوم ومع التطورات الإعلامية وثورة مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار الخبر بين لحظة وضحاها فإن الصهيوني مستمر في اضطهاد الشعب الفلسطيني المجرد من السلاح. ألا يعقل الصهاينة بأن العصر القديم قد ولّى، وأن المجتمع الإنساني يراقب وبشدة الأحداث الاضطهادية التي يمارسونها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل تماماً من السلاح، وأن الإعلام العالمي يصور وينشر كل الأحداث الاضطهادية التي يقومون بها أمام مرأى من العالم؟ وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن الصهاينة لا يبالون بخرق القوانين الدولية المتعارف عليها، ويمارسون الإرهاب في وضح النهار، دون احترام لأي قوانين أو مبادئ أو قيم إنسانية.
يستنكر اليوم جميع المسلمين في العالم إغلاق المحتل الصهيوني أبواب المسجد الأقصى الشريف أمام الفلسطينيين، ومنعهم من الصلاة فيها، ويستنكر ذلك المجتمع الإنساني بأسره، ويدين وبشدة كل أشكال القمع والعنف، ويطالب المجتمع الدولي باتخاذ جميع التدابير اللازمة لوقف كل أشكال العنف والعدوانية ضد الشعب الفلسطيني الشقيق فوراً، ووقف الاعتداءات والانتهاكات ضد المسجد الأقصى الشريف.