أتفهم حرج دولة مثل قطر عندما تقف إلى جانب «أشقائها»، فهي قلبت لهم ظهر المجن، منذ اندلاع الثورة على الثوابت والأعراف واللحمة الخليجية والعربية بانقلاب حمد على والده. من يشعل النار لا يشارك عادة في إخماد الحريق!
لكن، لماذا أتت على نفسها هذه المرة؟ ما الذي حملها على الدخول في تحالف إعادة الشرعية لليمن ما دام بإمكانها قول لا؟ ها هي تحرض على مصر منذ الثلاثين من حزيران (يونيو) 2013، على رغم المحاولات الرامية إلى ثنيها. علينا النظر إلى مجموع الخسائر التي منيت بها قطر في أعقاب ما يسمى الربيع العربي، ربما نستطيع فهم موقفها. ليس سراً أن قطر رمت بكل ما أوتيت من ثقل سياسي وإعلامي ومادي في سبيل وصول من تعتقد أنها سوف تغلب بهم، جماعة الإخوان المسلمين، لكن رهانها كان خاسراً في واقع الأمر، فسلّة بيضها الوحيدة مثّل سقوطها فضيحة مدوية، بداية من مصر التي لم تُبقِ لهم سوى شعار الأصابع الأربع، ثم تونس، حيث أرغمت الأحداث السياسية الإقليمية ممثل الإخوان فيها- حزب النهضة- على أن يتحلل من إخوانيته، حتى قيل إنه «تلبرل»! وصولاً إلى ليبيا، التي انقلب السحر فيها على الساحر، وأصبح الاحتفال بقطف رؤوس العبث المدعومة قطرياً قاب قوسين أو أدنى.
جرت الرياح بما لا تشتهي سفينة قطر، هذه هي الحقيقة، لذلك فإن رسوها على شاطئ المداهنة يشبه استراحة محارب مخادع، ظن خطأ أنه الأذكى في ساحة المعركة. من هذا المنطلق فقط يمكن تحليل اعترافات وزير الدفاع القطري خالد العطية، حول تداعيات مشاركة بلاده في عاصفة الحزم، وإعلانه «صراحة» أنها كانت مجبرة على ذلك! تصريحات الوزير عبارة عن فضيحة سياسية بكل المقاييس، توحي بحال من التضعضع الداخلي. التفسير الوحيد لها أن السلطة القطرية باتت اليوم أشد ما تكون خوفاً على انفراط عقدها، ويبقى توقيتها مؤشراً مهماً على التداعيات الخطيرة التي وضعتها في حساباتها، فالتصريح الانهزامي ليس أكثر من قربان للإيرانيين، التي يراها الممسكون بزمام الأمر في قطر بمثابة طوق النجاة الأخير.
من ماذا يخشى حكام قطر طالما أنهم واثقون من ولاء الشعب لهم؟ أم هم في الواقع لا يثقون به، ولذلك ضربوه استباقياً من خلال الاستعانة عليهم بالبودي جارد التركي، الذي يبدو أنه ليس أهلاً للثقة هو الآخر، فالأزمة السورية كشفت عن الوجه البراغماتي لتركيا، التي عرفت كيف تقتات على معاناة السوريين، من دون أن تقدم بين يدي ذلك سوى تصريحات رنانة، كانت نتيجتها حلفها مع الروس، وعلاقات تجارية ببلايين الدولارات مع بيت الرئيس أردوغان الثاني، إيران!
قطر، ومع شديد الأسف، تلعب بالنار كما يقال، وإن كان هذا ليس جديداً عليها، إلا أن الرغبة الجامحة لدى قادتها في الظهور على حساب الوطن العربي كما في السابق، يدفع ضريبتها الشعب القطري هذه المرة.