جاء خطاب أمير قطر في هيئة إنشائية بحتة، ولعل أكثر المهتمين بـالأزمة الخليجية شعروا قبيل الإعلان عن كلمة الأمير – الأولى منذ اندلاع الأزمة – أنها لن تخرج عن أسطر الإنشاء والاستعطاف والحديث بطريقة ملتفة تقود إلى مزيد من التناقضات من دون ان تقول شيئًا مثمرًا بنّاءً يشير إلى أن الحكومة القطرية تتعامل على حد وصف الأمير بأن الارهاب جريمة سياسية. من محتويات الكلمة تدرك أن هناك خلافاً كبيراً حول تعريف بعض المصطلحات ومحاولة مستميتة لتمييع الجراح والظهور في عباءة البريء الذي يحاول الآخرون المساس بسيادته من دون أن نجد تعريفاً مقنعاً لمفهوم السيادة في ذهن قطر وهل هي تعني مزاجاً قطرياً بحتاً يستوجب أن تعبث كيفما تشاء وتطعن وفق أجندة عملها وتضع قائمة بالمطلوب والمفترض وفق ما تمليه عليها مصالحها البحتة، هذه المصالح بالطبع تنتهك سيادة المحيطين أيما انتهاك وتنسف القيم ببرود تام.
التجاهل الصريح للمطالب الخليجية وفي مقابل جاهزية السلطة القطرية للحوار من دون إملاءات على حد كلمة ما بعد الخمسين يوماً، يدل على ان الارتباك هو سيد الموقف القطري حتى اللحظة. الزمن الذي احتاجه أمير قطر للحديث عن الأزمة واستخدام مفردات متنوعة الأهداف وحاقنة لمحتوى الخطاب بالحس العاطفي يعتبر زمنًا طويلاً يؤكد أن حاجة قطر متواصلة لمن يكتب لها الكلمات من الخارج القطري وجهدها في هذا المجال على قدم وساق، فقدراتها المحلية ليست كافية أو مقنعة لتتعاطى مع الأزمة وتداعياتها. المتغذون على المال القطري هم من يقف وراء محتوى الكلمة المتأخرة الظهور لأن بها توظيفاً صريحاً لملفات تعترض الساحة الآن ويراد بها دغدغة المشاعر وخدمة ايديلوجيا الإخوان المتورطة في مشهد الأزمة. وسياسة العبور من طاولة الأزمة الحقيقية وملفاتها المعقدة والعارية احياناً الى مساحات أخرى وأزمات طارئة لا علاقة لها بالأزمة الأساس هي السياسة التي أدمنتها قطر منذ ركوبها الموجات المتذبذبة.
برفقة الكلمة الأميرية ومحاولتها تطمين الداخل القطري واستعطاف الخارج وإقناع المتابعين ان العالم كله في صف قطر، نكون أمام العنوان الصالح للاستخدام الى أمد غير معلوم وهو «لا بوادر لحل الأزمة»، فمن يختلف مع الأشقاء على مصادر الارهاب فهو يميل في شكل أو آخر الى التعاطف او احتواء مصدر أو اكثر، ومن يعرٍّف السيادة بلغة مستعارة ومفاهيم تآمرية وتخريبية يستحيل أن تسمع منه حديثاً مطمئنًا وتقرأ من فمه جمل الثقة لا سيما أن الحكايات القطرية المخجلة تنمو مع اطلالة كل صباح، ولنا فقط أن نقف مع أمير قطر حين يدغدغ مشاعر العامة في أن سياسة بلاده الماضية والحالية تسعى للإبداع والتفكير المستقل ومحاربة الكسل والاتكالية ورفع معنويات الشعب والروح في بناء الوطن. قراءة الدغدغة ومطابقتها مع السلوك القطري تشبه قصة طالب جامعي لم ينجح في عدد من الفصول الدراسية وحُرم من فصلين آخرين وحين تسأله هل اقترب تخرجك: قال نعم، موعد تخرجي الفصل الدراسي المقبل وكان هدفي منذ بداية التحاقي بالجامعة أن اكون نموذجاً يحتذى به وقدوة لكل من حولي!