بقينا عقوداً نقول مع الأفارقة إن معظم المشكلات البارزة في القارة الإفريقية تحتاج بالضرورة إلى العون السياسي أو الدبلوماسي العربي. وقد جرت مياه كثيرة تحت جسور هذه المشاكل. وفجأة، تنشأ قضية كبيرة جديدة على الساحة العربية، هذه المرة، هي الأزمة القطرية، ورغم المعالجات الحثيثة للموضوع، تصبح المجموعة العربية في حاجة للجهد الإفريقي أيضاً، أو قل بلورة الموقف الإفريقي، كل لصالحه… وخاصة أن الاستثمارات العربية كانت تتجه مؤخراً إلى عدد من الدول الإفريقية ذات العائد المضمون، إزاء رخاوة السوق الأوروبي والأميركي في هذا المجال، فبات العالم الثالث وفي مقدمته السوق الإفريقية، مجالًا حيوياً لحركة رأس المال العربي.
وهنا تلعب المصالح دورها ثانية فتأخذ معظم الدول الأفريقية موقف التحفظ لنفس السبب، سواء مع الدول الأربع من جهة أم قطر من جهة أخرى، وبحجة الوقوف عند وساطة الكويت! ويبدو أن ذلك هو ما حكم موقف رئيس الاتحاد الإفريقي نفسه (الغيني) في اجتماع القمة الإفريقي الأخير بأديس أبابا وتوقفه عند تأييد الوساطة الكويتية.
وها نحن نجد دولاً إفريقية ذات ثقل تتحدث في الموضوع بثقلها المعهود في القارة وبنفس اللغة، مثل جنوب أفريقيا. ولو أني مسؤول خليجي في مجلس التعاون لحرصت على هذه الزاوية في الموضوع لخلق سياسات وأشكال للتعاون.
وكذلك ثمة دول أخرى، ذات ثقل، تفكر على ما يبدو في السباحة أيضاً في مياه الخليج، فها هو وزير الدفاع الإثيوبي في قطر ووزير الدولة القطري في إثيوبيا! بما يبعث بالرسائل مبكراً، وقبل وصول مبعوث الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الجانب الإثيوبي. والجميع يعالج الموقف بادعاء الحياد، والوقوف مع الوساطة الكويتية بعد زيارة الوزير الإثيوبي للكويت. وفي ضوء تصريحات إثيوبية عن «عدم تأييد التقارير الإعلامية السلبية» التي تزعزع استقرار المنطقة!
وهذه الإشارات المترددة من أفريقيا تجعلنا نتساءل عن العلاقات الخليجية الإفريقية، وحتى مع بعض الدول العربية، إذا ما أشرنا إلى مسألتين لافتتين: واحدة هي موقف المغرب الذي يبدو حيادياً، وهنالك زيارة وزير إلى الرياض وما قيل عن إرسال مواد غذائية لقطر في تعبير عن حياد إيجابي. والمغرب الآن ذو تأثير كبير على عدد من الدول الإفريقية وخاصة الفرانكفونية، ومما يلاحظ في ذلك أيضاً تحرك السنغال وتشاد والنيجر ببعض الإيجابية إلى جانب الدول الأربع.
أما المسألة الأخرى، فهي عن آفاق الدعوة السعودية لمؤتمر قمة سعودية إفريقية أواخر هذا العام… الأمر الذي يستدعي جهداً دبلوماسياً وسياسياً مكثفاً مع رئيس مفوضية «الاتحاد الإفريقي» (التشادي) وتعاون دول كبرى مثل جنوب أفريقيا ومصر بالإضافة إلى أهمية الموقف المغربي، حتى نضمن لقاء إفريقياً- عربياً، قد يشهد تطويرا للعلاقات لا إضراراً بالجهد كله نتيجة مشاغبات أخرى قد تكون متوقعة.