المثال تجسيدٌ للأفكار، وهو يمنح نموذجاً للتنظير ويشرح الأفكار ويقربها للناس، ومع الحديث الكثير والتكرار الواسع لشرح الموقف من قطر فإن المثال يمنح غير المتخصص قدرةً كبيرةً على استيعاب السياسات والمواقف والقرارات.
قبل يومين نقلت وسائل الإعلام الإماراتية حواراً صريحاً مع عبد الرحمن بن صبيح، وهو أحد المنتمين سابقاً للتنظيم السري لجماعة «الإخوان المسلمين» في الإمارات. كان الحديث شفافاً ومفصلاً وغايةً في الأهمية ليعرف الجميع أحد النماذج الحية من لحم ودم التي تتحدث بالأسماء والتواريخ والأحداث بكل صراحة وكان الحديث فضيحةً جديدةً لقطر.
تحدث بن صبيح في الحوار عن العديد من الملفات والقضايا المهمة ووضع النقاط على الحروف وأكد دعم قطر لنشر الفوضى في الإمارات ودعمها اللامحدود لعناصر التنظيم السري مادياً ولوجستياً، من أموال وتبرعات إلى جوازات مزورة واجتماعات ومحاضرات تدريب لعناصر التنظيم السري وذلك بهدف واحد وهو نشر الفوضى والتخريب والإرهاب في الجارة والشقيقة لقطر دولة الإمارات.
من هذا الحوار ومن غيره الكثير يعلم المتابع والباحث أن الكيد القطري لا حدود لخيانته ولا سقف لتخريبه، وأنه كان يدير بوعي وتصميم عمليات استخباراتية ضد الإمارات، ومن قبله تحدث الضابط القطري في الوثائقي الذي عرض قبل أسابيع على قناة أبوظبي عن شراء شرائح هاتفية من الإمارات بغرض تهييج الشارع الإماراتي ونشر الفوضى في البلاد.
الذي حمى الإمارات حقيقةً هو الوعي المتقدم الذي لازم قيادتها تجاه حركة «الإخوان المسلمين» وجميع حركات الإسلام السياسي منذ سنوات طويلة، وتحديداً منذ منتصف التسعينيات حين قامت أبوظبي باعتقال مفكر إخوان الخليج الأكبر العراقي عبد المنعم العزّي المعروف باسم محمد أحمد الراشد وبحديث الشيخ زايد رحمه الله بالصوت والصورة عن خطر «الإخوان المسلمين» وشرورهم.
وعي الشيخ زايد استمرّ لدى القيادة الإماراتية وتحديداً لدى ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، الذي امتلك الإدراك المتقدم بخطورة هذه الحركات وحاور رموزها واجتمع بهم على مدى سنواتٍ حتى لم يدع لهم عذراً في خيانتهم لوطنهم، لذلك فقد استطاعت الإمارات تجاوز أمرين مهمين: الأول، ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» الذي انتشت فيه كل جماعات الإسلام السياسي وخرجت للعلن بمواقف سياسة معارضة وبتخطيط للفوضى، والثاني: الدعم القطري الكبير الذي حصلت عليه هذه الجماعات والتنظيمات، فالوعي المسبق حرم المخربين من أي قدرةٍ على إحداث أي خلل.
ومع بداية الأزمة القطرية كان من الواجب وضع الحقائق أمام الجميع، وكشف كل علائق قطر بجماعات وتنظيمات وأحزاب التخريب والإرهاب، فكانت الدول الأربع المقاطعة لقطر على الموعد وأصبح إخراج بعض القصص والوثائق والشهود مهماً في معركة الرأي العام المحلي والعالمي كما في معركة السياسة وجهود الوساطة التي بات يتبرع بها الكثيرون، فوضع الحقائق على الطاولة يجبر قطر على الاعتراف بالذنب والخضوع لمطالب الدول الأربع.
قد ينسى الأفراد ولكن الدول لا تنسى، بل تحصّن نفسها وتحمي مصالحها وتنتظر اللحظة المناسبة لأخذ الحقوق والرد على الخصوم، وهكذا جرى مع قطر وسياساتها التخريبية والإرهابية، ومع تعدد الوسطاء تنتشر فضائح النظام القطري أكثر فأكثر وتتمكن الدول الأربع من شرح قضيتها التي تبنيها ضد قطر أكثر فأكثر، ومن هنا ففرح صانع القرار القطري بتعدد الوساطات وتقليله من دور الوسيط الكويتي إنما يجني عليه وعلى موقفه.
وأخيراً فلم تبدأ بعد معارك الاقتصاد التي تستطيع الدول الأربع بها خنق الاقتصاد القطري، ولم تبلغ خصومة السياسة لأن تصبح تياراً شعبياً جارفاً، لوعي قيادات الدول المقاطعة وحرصها على الشعب القطري، لكن طول المدة دون رجوع قطر سيفرض تغيير كل قواعد العلاقات.